سوريون يرفعون علم الثورة


مع صدور المرسوم القاضي بتسمية أعضاء الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية في سوريا، ساد شعور متباين بين الأوساط الحقوقية والسياسية. فبينما رأت بعض الأصوات في الخطوة بداية مسار طويل نحو كشف الحقيقة وإنصاف الضحايا، برزت تساؤلات جادة حول معايير اختيار الأعضاء ومدى توافر الكفاءة اللازمة لإنجاز هذه المهمة بالغة الحساسية…
أين الخبرات القانونية المتخصصة؟!
العدالة الانتقالية ليست شعاراً سياسياً أو لجنة رمزية، بل منظومة قضائية وأخلاقية تستند إلى سوابق دولية وتجارب تراكمت على أكثر من عقد في الحالة السورية، وقد برز خلال السنوات الأربع عشرة الماضية عدد كبير من المحامين السوريين والحقوقيين الذين طاردوا مجرمي الحرب أمام المحاكم الوطنية ذات الولاية العالمية، مثل ألمانيا وفرنسا، وتعاونوا مع لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا في جمع الأدلة والبيانات والشهادات، وساهموا في أرشفة مئات آلاف الوثائق والصور التي شكلت قاعدة صلبة لملفات الادعاء.
هؤلاء بخبرتهم العملية واطلاعهم العميق على دقائق الإجراءات القانونية، يُفترض أن يكونوا في صدارة أي هيئة للعدالة الانتقالية، لا أن يتركوا خارج المشهد!
وهنا نطرح تساؤلات مشروعة!
هل ستتمكن اللجنة من مواجهة تحديات المحاسبة الحقيقية؟!
كيف ستتعامل مع الكم الهائل من الوثائق والأدلة دون خبرة مسبقة في معايير الإثبات الدولية؟!
هل سيشعر الضحايا بالثقة بآلية لم تضم أبرز من حملوا ملفاتهم لسنوات في أروقة المحاكم الأوروبية؟!
التجارب العالمية (جنوب إفريقيا، رواندا، كولومبيا) أثبتت أن العدالة الانتقالية لا تنجح إلا بمزيج من الخبرة المحلية المتجذرة في المجتمع والخبرة القانونية الدولية القادرة على ضمان المعايير القضائية الصارمة.
لذلك فإن تجاهل تراكم الخبرة السورية في المحاكم الدولية يُعتبر تفريطاً بفرصة نادرة كان يمكن أن تمنح الهيئة شرعية أوسع وثقة أكبر…
نعم، إن تشكيل هيئة العدالة الانتقالية خطوة مهمة بلا شك، لكنها تبقى ناقصة ما لم يُستكمل بنيانها بالاستعانة برجال القانون السوريين الذين خبروا تفاصيل الملف، ووقفوا طوال سنوات على خط المواجهة مع الإفلات من العقاب. فهؤلاء هم الأقدر على تحويل الهيئة من مجرد إعلان سياسي إلى مسار عدالة حقيقية يُنصف الضحايا ويؤسس لمصالحة وطنية راسخة.

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top