أكد القيادي السابق في الجيش السوري الحر، “حسن إبراهيم”، المعروف سابقاً بـ”أبو أسامة الجولاني”، أنه تنبأ بسقوط الرئيس السوري بشار الأسد قبل ستة أشهر من حدوثه، مشيراً إلى أن توقعه استند إلى “معطيات علمية ومؤشرات سياسية وعسكرية واضحة”، أهمها انتهاء ما وصفه بـ”الدولة الوظيفية” في سوريا وفقدان النظام لدوره ضمن المنظومة الإقليمية والدولية.
و في لقاء تلفزيوني على قناة “المشهد” أوضح “أبو أسامة” أن المؤشرات الميدانية وحدها لم تكن كافية، لكن التحركات الإسرائيلية على الجبهات الجنوبية، إلى جانب الترتيبات الإقليمية، وتسريبات سياسية وعسكرية، كلها شكلت مشهداً واضحاً لمن يقرأ الواقع بتمعّن. واعتبر أن الصراع على سوريا يتجاوز الداخل، إذ تشارك فيه قوى دولية وإقليمية أبرزها الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل، ما يجعل أي تغيير داخلي مرتبطاً بميزان القوى الإقليمي.
أخطاء الثورة وصعود القوى العقائدية
استعرض “أبو أسامة الجولاني” مسار الجيش السوري الحر، مبيناً أنه لم يكن مؤسسة عسكرية مركزية، بل “حالة ثورية مسلحة” انبثقت من إرادة شعبية لمواجهة النظام، وسيطرت في مراحل معينة على ما بين 70 و80% من الأراضي السورية. لكنه أقر بأن غياب المشروع الوطني الموحد، والانقسامات الداخلية، ودخول الفصائل العقائدية ذات المشاريع الأيديولوجية، كلها عوامل أدت إلى تأخير النصر وتراجع قوة الثورة.
وأشار إلى أن الاقتتال بين الفصائل الإسلامية والجيش الحر كان نقطة تحول سلبية، حيث انقسمت الساحة إلى مشاريع ضيقة تتوافق أحياناً مع مصالح قوى إقليمية، فيما افتقد الجيش الحر للمشروع السياسي الواضح، وانحصر دوره في محاربة النظام أكثر من بناء رؤية سياسية بديلة.
الأغلبية ومسؤولية احتضان الأقليات
شدد القيادي السابق في الجيش الحر “حسن إبراهيم” على أن الأغلبية السنية في سوريا تتحمل مسؤولية المبادرة لطمأنة الأقليات واحتضانها، مؤكداً أن التنوع الديني والعرقي الذي يميز سوريا منذ آلاف السنين عنصر غنى يجب أن يوظف في بناء دولة حديثة. وانتقد الخطاب الطائفي والتحريض، معتبراً أن “بيئة الخوف لا يمكن أن تكون مصدر أمان”، وأن الأغلبية يجب أن تكون مصدر حماية للأقليات لا تهديداً لها.
وأضاف أن مخاوف الأقليات في سوريا تاريخية، وأن أي مشروع وطني ناجح يجب أن يضمن العدالة والمساواة، ويجعل الأقليات تشعر أن الأغلبية تحميها، لا أنها مصدر خطر عليها.
الحوار الوطني المطلوب
رفض “حسن إبراهيم” ما وصفه بـ”المسرحيات السياسية” من حوارات شكلية وإعلانات دستورية ومجالس شعب لا تمثل إرادة حقيقية، داعياً إلى حوار وطني شامل يشمل جميع السوريين دون استثناء، ويعترف بالأخطاء، ويبحث عن حلول عملية لإخراج البلاد من أزماتها. وقال: “لا بد من قرار وطني جريء يعيد وضع البلد على الطريق الصحيح، بعيداً عن الأجندات الخارجية”.
وأشار إلى أن الوضع الحالي يشهد تعدد القوى الفاعلة على الأرض، من أميركيين وإسرائيليين وأتراك، ما يتطلب إرادة سياسية مستقلة لمواجهة التحديات الإقليمية، وإلا ستبقى سوريا رهينة للصراعات الخارجية.
إعادة بناء الجيش وهيكلة الدولة
انتقد “أبو أسامة الجولاني” غياب جيش وطني موحد في سوريا، مؤكداً أن الوضع الحالي هو “حالة فصائلية” لا تضمن بناء دولة قوية. ودعا إلى إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية على أسس علمية ومهنية، عبر الاستعانة بالضباط الأكاديميين والمنشقين ذوي الخبرة، ورفض تهميش الكفاءات العسكرية والدبلوماسية التي تمثل رصيداً حقيقياً للدولة.
وقال: “الجيش يبنى على أسس علمية وهيكلية واضحة، وليس على توزيع ولاءات فصائلية”، مشيراً إلى وجود آلاف الضباط المنشقين الذين يمتلكون الخبرة ويجب إشراكهم في عملية إعادة البناء. كما انتقد تراجع الدور الدبلوماسي السوري، داعياً لاستعادة كفاءاته في المحافل الدولية.
شهداء الثورة والتكريم الغائب
توقف “حسن إبراهيم” عند ملف الشهداء والجرحى، منتقداً ما اعتبره انتقائية في التكريم، حيث يقتصر الاعتراف على فئات محددة مثل “شهداء ردع العدوان”، بينما يغيب أبناء وجرحى شهداء الثورة منذ عام 2011 عن المشهد.
وروى حادثة لطفل من أبناء الشهداء سأل والدته إن كان والده شهيداً وبطلاً، فأجابته بالإيجاب، لكنه اكتشف لاحقاً أن الدولة لا تعترف به كشهيد لأنه قُتل في صفوف الثوار. وأضاف: “خطوة تكريم أبناء شهداء ردع العدوان جيدة، لكن أين أبناء شهداء الثورة وجرحاها منذ 14 عاماً؟”.
واختتم القيادي “حسن إبراهيم” حديثه بالتأكيد على أن جمهور الثورة لا يزال موجوداً، وإن كان صامتاً حفاظاً على وحدة البلد ومنع الانزلاق إلى الفوضى، مشدداً على أن السوريين جميعاً يتطلعون إلى العيش بكرامة وحرية، وتحسين أوضاعهم الاقتصادية، وطي صفحة الدماء والانقسام، عبر مشروع وطني جامع يحمي الجميع دون استثناء.
وبحسب “شهادات محلية”، فإن “أبا أسامة الجولاني” لعب دوراً محورياً في تسليم الجنوب السوري عام 2018 ضمن ترتيبات عسكرية وسياسية مثيرة للجدل، وكان من بين القيادات الميدانية السابقة التي ساهمت – وفق تلك الشهادات – في تفتيت المنطقة عسكرياً وسياسياً، مشيرةً إلى أن كتلة الدعم المالي الشهري التي كان يتلقاها تجاوزت مليون دولار شهرياً، وأنه أسس في محافظة القنيطرة فصيلاً حمل اسم “جبهة ثوار سوريا”، وارتبط بعلاقة قوية مع القيادي “جمال معروف” في الشمال السوري، وهي معطيات يصفها مراقبون بأنها تلقي بظلال إضافية على الدور الذي لعبه في المشهد السوري المعقد خلال سنوات الثورة”
- فريق التحرير