على أنقاض منزله المدمّر في الحجر الأسود، يقف “أبو محمد” متأملاً مشهداً يختصر حكاية مدينة أنهكها الدمار وتركها الإهمال معلّقة بين زمنين. سنوات طويلة مضت منذ أن دمّر النظام البائد معظم أحياء المنطقة خلال حملاته العسكرية، لكن آثار الخراب ما تزال شاهدة على جدران لم تُرمَّم، وذاكرة مكان تجمّدت عند لحظة السقوط الأولى.
ورغم توق سكان المنطقة إلى العودة واستعادة ما تبقّى من حياتهم القديمة، إلا أن الواقع المعيشي القاسي يدفع كثيرين لتأجيل هذه العودة. فالإيجارات المرتفعة بشكل غير مسبوق، وانعدام فرص العمل، وغلاء المعيشة، إضافة إلى غياب الخدمات الأساسية، كلها تجعل العودة إلى الحجر الأسود أو حجيرة أو درعا خياراً بالغ الصعوبة. ومع ذلك، يبقى الحنين إلى البيوت الأولى أقوى من كل الظروف، دافعاً كثيرين لإعادة التفكير بقرار العودة مهما كانت التحديات.
“أبو يامن” مثال واضح على هذا المشهد. فمع أعباء أبنائه الجامعية والمدرسية، وراتب لا يكاد يغطي الضروريات، وجد نفسه مضطراً للعودة إلى منزل متضرّر يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة. وكان يأمل، كغيره من الأهالي، أن تشهد المنطقة خطوات جدية لتحسين الخدمات على غرار ما حدث في مدن سورية أخرى كحمص ودرعا وإدلب، حيث نجحت المبادرات الأهلية والدعم الحكومي في إعادة تفعيل جزء من البنية التحتية.
وقبل نحو شهر أو أكثر جاء قرار إلغاء “فزعة الجولان” المفاجئ، ومن دون أي توضيح رسمي، ترك أثراً مؤلماً لدى نحو مليون مواطن كانوا ينتظرون فتح الطرقات وتأهيل شبكات الكهرباء والمياه وترميم المؤسسات الخدمية، بما يتيح عودة تدريجية وآمنة للمدنيين. غياب الشفافية حول أسباب هذا القرار أعاد السؤال القديم إلى الواجهة:
هل يستمر إرث التهميش الذي فرضه النظام البائد، أم أن الوقت قد حان لاعتماد مقاربة مختلفة تُنصِف هذه المناطق وتعيد لها ما تستحقه من اهتمام؟
سؤال ما تزال إجابته مؤجّلة… إلى أجل غير معلوم.






