رئيس حكومة دولة الاحتلال نتنياهو

ليس السؤال اليوم إن كان بنيامين نتنياهو سيغادر المشهد السياسي، بل متى، وتحت أي ضغط، وبأي صورة. الرجل الذي قدّم نفسه لعقود بوصفه “الزعيم الذي لا يُهزم” يبدو أكثر هشاشة من أي وقت مضى، محاصراً داخلياً بملفات فساد وانقسام مجتمعي غير مسبوق، وخارجياً بتحولات إقليمية تُهدد الأساس الذي قام عليه مشروعه السياسي. وفي قلب هذا المشهد، يطفو سؤال ملتبس: هل يُقصيه حليفه الأميركي دونالد ترامب، أم خصمه الإقليمي الرئيس السوري أحمد الشرع؟

نتنياهو… زعيم يعيش على حافة الخوف

نتنياهو لم يكن يومًا رجل حلول، بل رجل أزمات. بنى مسيرته على تغذية القلق الإسرائيلي الدائم: إيران، غزة، لبنان، وسوريا. وكلما تعمّق الخوف، ارتفعت أسهمه. لكن المشكلة أن هذه المعادلة بدأت تتآكل. المجتمع الإسرائيلي بات أكثر انقسامًا، والمؤسسة العسكرية أقل يقينًا، والشارع أكثر تشكيكًا في جدوى زعيم لا يُتقن سوى إدارة الصراع لا إنهائه.

في هذا السياق، يصبح أي تغير خارجي – ولو محدوداً – تهديداً وجودياً لمستقبل نتنياهو السياسي، لأنه يضرب السردية التي يتغذى عليها.

ترامب… الحليف الذي لا يُعتمد عليه

دونالد ترامب كان هدية سياسية لنتنياهو. دعمه بلا شروط، وقدّم له ما عجز عنه أسلافه في واشنطن. لكن هذا الدعم لم يكن نابعًا من إيمان بمصير إسرائيل أو مستقبل نتنياهو، بل من منطق الصفقة: ما يخدم ترامب يخدم نتنياهو، والعكس صحيح.

هنا تكمن المشكلة. ترامب لا يُسقط نتنياهو، لكنه أيضاً لا ينقذه. هو حليف متقلب، أناني سياسيًا، مستعد للتخلي عن أي شخص إذا تغيّرت مصلحته. والأسوأ من ذلك أن نتنياهو بات مرتبطًا بترامب أكثر مما ينبغي، ما جعله رهينة لسياسات أميركية داخلية لا يملك التأثير عليها.

حتى لو عاد ترامب إلى البيت الأبيض، فإن دعمه لن يعالج أزمة نتنياهو الحقيقية: فقدان الثقة داخل إسرائيل نفسها. لا ترامب قادر على وقف محاكمة، ولا على ترميم شرخ مجتمعي، ولا على إعادة توحيد شارع بات يرى في نتنياهو عبئًا لا ضمانة.

أحمد الشرع… الخطر الصامت

في الجهة المقابلة، لا يقف الرئيس السوري أحمد الشرع كخصم تقليدي يلوّح بالحرب، بل كعامل تغيير إقليمي هادئ، وربما لهذا السبب أكثر إزعاجاً لنتنياهو. الخطر الذي يمثله الشرع لا يكمن في خطاب عدائي، بل في إمكانية قلب قواعد اللعبة التي اعتاد نتنياهو اللعب عليها.

نتنياهو يحتاج إلى سوريا ضعيفة، ممزقة، خارجة من التاريخ. يحتاجها كفزاعة دائمة، وكجبهة مفتوحة تبرر الاستنفار الأمني المستمر. أي استعادة سورية لدورها، أي استقرار نسبي، أي عودة إلى السياسة بدل الفوضى، تعني تلقائيًا تآكل الخطاب الأمني الذي يبرر بقاء نتنياهو في السلطة.

الشرع لا يهاجم نتنياهو مباشرة، لكنه يسحب منه الأرضية التي يقف عليها. وهذا أخطر ما يمكن أن يواجهه زعيم شعبوي يعيش على صناعة العدو.

حين يفقد الخوف صلاحيته

المفارقة أن نتنياهو يستطيع التعايش مع رئيس أميركي متقلب، لكنه لا يستطيع التعايش مع شرق أوسط يتغير. ترامب يمكن التفاوض معه، احتواؤه، أو حتى تجاهله. أما التحولات الإقليمية العميقة، فلا يمكن السيطرة عليها بخطاب أو ضربة عسكرية.

إذا نجحت دمشق في إعادة التموضع إقليميًا، وفرض نفسها كرقم صعب لا كساحة مستباحة، فإن ذلك سيطرح سؤالًا قاتلًا داخل إسرائيل: لماذا نبقى أسرى خطاب الطوارئ إذا كانت المنطقة تتغير؟ ولماذا نحتاج زعيمًا يعيش على الحافة إذا كان الاستقرار — ولو النسبي — ممكنًا؟ هذا السؤال وحده كفيل بتسريع نهاية نتنياهو السياسية.

السقوط من الداخل… ولكن

في النهاية، نتنياهو لن يسقط بقرار من ترامب، ولا بخطوة من أحمد الشرع. السقوط سيأتي من الداخل الإسرائيلي: من صندوق الاقتراع، من الشارع الغاضب، من القضاء، ومن تآكل الثقة. لكن العوامل الخارجية تلعب دور المسرّع. ترامب قد يمنح نتنياهو وقتاً إضافياً، لكنه لا يمنحه مستقبلاً.
أما أحمد الشرع، فإن أي نجاح يحققه في إعادة سوريا إلى المشهد، سيقضم ببطء الأساس الذي قام عليه مشروع نتنياهو السياسي.

الخلاصة: النهاية التي لا يستطيع الهروب منها

نتنياهو أمضى حياته السياسية هاربًا إلى الأمام، من أزمة إلى أزمة، ومن خوف إلى خوف. لكن التاريخ لا يُجامل من يرفض التغيّر. الشرق الأوسط الذي يتشكل اليوم لا يشبه الشرق الأوسط الذي صنع مجده. حين يفقد نتنياهو قدرته على تخويف الإسرائيليين، سيفقد كل شيء. وحينها، لن ينفعه صديق في واشنطن، ولن يستطيع شيطنة رئيس في دمشق.

نهاية نتنياهو لن تُكتب بتوقيع ترامب، لكنها قد تبدأ من تحوّل إقليمي لا يملك نتنياهو أدوات التعامل معه.

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top