أحمد الشرع مع دونالد ترامب

من الناحية الاجتماعية والسياسية والمالية لتطور العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وسوريا بعد التحرير، وآفاق هذه العلاقة، وكيف ستصبح بعد عدة سنوات. تشهد سوريا بعد سقوط نظام الأسد في 8 كانون الثاني 2024، وتشكيل حكومة انتقالية بقيادة أحمد الشرع، منعطفاً تاريخياً في علاقاتها مع الولايات المتحدة. ويبدو أن هناك تحولاً كبيراً في الأفق يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون بعد عقود من القطيعة والعداء.

1. التحليل السياسي

شهد الجانب السياسي تغيراً جذرياً تمثل في إعادة فتح السفارات واستئناف الحوار الدبلوماسي بين واشنطن ودمشق في سبتمبر 2025.

كسر الجليد والعلاقات الرسمية: كانت السياسة الأمريكية لعقد من الزمن مبنية على هدف رحيل بشار الأسد وفرض عقوبات قاسية لتحقيق انتقال سياسي. ومع تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة، بدأت واشنطن حواراً مباشراً مع القيادة الجديدة، وتوّج ذلك بزيارة الرئيس الشرع إلى البيت الأبيض في نوفمبر 2025.

الاعتراف والمشروعية الدولية: تسعى الولايات المتحدة لدمج سوريا الجديدة في النظام الإقليمي بقيادتها، وقد منحت الاجتماعات رفيعة المستوى الشرع مستوى من الشرعية الدولية التي لم يحققها أي رئيس سوري قبله.

القضايا الأمنية المشتركة: تشمل الأولويات المشتركة مكافحة الإرهاب، حيث انضمت سوريا الجديدة إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة (داعش)، مما عزز مكانتها كشريك أمني. وتشمل القضايا الأخرى مصير المواطنين الأمريكيين المفقودين مثل الصحفي “أوستن تايس”.

التوازنات الإقليمية والدولية: تسعى سوريا الجديدة إلى سياسة خارجية متوازنة وعدم الانحياز الكامل لأي طرف. وسيبقى التنسيق مع روسيا وإيران قائماً، إلا أن التوجه نحو الغرب قد يقلل تدريجياً من النفوذ الروسي إذا استمر الانخراط الأمريكي. وتظل العلاقة مع إسرائيل نقطة حساسة ومحورية تتطلب اتفاقية فصل قوات وضمانات أمنية.

2. التحليل المالي والاقتصادي

اقتصاد سوريا مدمر بعد أكثر من عقد من الحرب والعقوبات، وستلعب الولايات المتحدة دوراً كبيراً في إعادة الإعمار والتعافي.

رفع العقوبات: شكّل تخفيف العقوبات، وخاصة “قانون قيصر”، نقطة محورية. وفي منتصف 2025، رفعت إدارة ترامب مجموعة واسعة من العقوبات المفروضة على سوريا باستثناء تلك المتعلقة بعائلة الأسد والمقربين منهم. وهذا يفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية وفرص إعادة الإعمار المقدرة بمئات المليارات.

إعادة الإعمار والفرص الاستثمارية: تحتاج سوريا إلى ما بين 250 و400 مليار دولار لإعادة الإعمار. وستفتح هذه المرحلة المجال أمام الاستثمار في البنية التحتية والطاقة والزراعة والصناعة، مع إمكانية استفادة الشركات الأمريكية إذا اتخذت العلاقات مساراً إيجابياً.

التحديات الاقتصادية: رغم الفرص، تبقى التحديات كبيرة، بما في ذلك ارتفاع نسبة الفقر (أكثر من 90%)، ودمار البنية التحتية، والحاجة الماسة للدعم الإنساني والتنموي.

3. التحليل الاجتماعي

كان الأثر الاجتماعي للحرب كارثياً، والتغيرات السياسية الأخيرة تحمل آمالاً ومخاوف متوازية.

الأمل في الاستقرار والعودة: يأمل السوريون بأن تقود العلاقات الجديدة إلى استقرار حقيقي وعودة اللاجئين والنازحين داخل وخارج البلاد. فالاستقرار أساس لإعادة بناء النسيج الاجتماعي الممزق.

بناء الثقة والمصالحة: يتطلب الانتقال الناجح تعزيز الثقة بين الحكومة والمواطنين، وترسيخ سيادة القانون، والعمل على المصالحة الوطنية. وقد يساهم الدعم الأمريكي للشفافية والإصلاحات في هذا المسار.

المخاوف والتحديات: لا تزال هناك انقسامات مجتمعية ومخاوف من صراعات داخلية أو عودة الجماعات المتطرفة. وتمثل هذه الديناميكيات تحدياً اجتماعياً كبيراً يتطلب قيادة حكيمة ودعماً دولياً متواصلاً.

آفاق العلاقات بعد عدة سنوات

إذا استمر المسار الحالي، يمكن أن تبدو العلاقات الأمريكية السورية بعد سنوات على النحو التالي:

شراكة استراتيجية ناشئة: مع تركيز على الأمن ومكافحة الإرهاب والتعاون الاقتصادي.
سوريا كمركز استقرار إقليمي: ويمكن أن تلعب دوراً مهماً في استقرار المشرق العربي واحتواء أزمات مثل الأزمة اللبنانية والحدّ من النفوذ الإيراني.
علاقات طبيعية ولكن معقدة: ستكون دبلوماسية بالكامل، لكنها ستظل محكومة بتشابكات إقليمية تشمل تركيا وروسيا وإيران وإسرائيل.

باختصار، يحمل المستقبل إمكانات كبيرة لتحول جذري في العلاقات الأمريكية–السورية من العداء إلى التعاون، لكنه يتطلب التزاماً سياسياً مستمراً، ودعماً اقتصادياً واسعاً، وجهوداً اجتماعية لترسيخ الاستقرار وبناء السلام.

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top