شارك وزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني في أعمال النسخة الحادية والعشرين من “حوار المنامة” الذي نظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في مملكة البحرين، وتناولت جلسات المؤتمر هذا العام حواراً حول منظومات الأمن الإقليمي وأمن الطاقة وتوجهات الولايات المتحدة تجاه المشرق العربي، إضافة إلى نقاش أوسع حول آليات تعزيز الاستقرار وإصلاح منظومات الأمن وحوكمتها في ضوء التحولات الجيوسياسية المتسارعة في المنطقة.
ويُعد حوار المنامة أحد أبرز المنتديات السنوية للحوار الأمني في الشرق الأوسط، حيث يجمع نخبة من صناع القرار والخبراء الإقليميين والدوليين لمناقشة أبرز التحديات الأمنية وفرص التعاون الإقليمي والدولي. والذي ميّز المؤتمر هذه السنة هو مشاركة سوريا ممثلة بوفد حكومي رفيع المستوى دبلوماسياً وسياسياً وأمنياً.
وتفتح المشاركة السورية في هذا المنتدى نافذة جديدة لفهم التحولات في بنية النظام الإقليمي، حيث لم تعد مقاربة الأمن تُبنى على استبعاد الأطراف المأزومة، بل على إعادة تأهيلها ضمن منظومة جماعية تتقاسم المسؤوليات والمخاطر.
هذا التوجه يعكس إدراكاً إقليمياً ودولياً متزايداً بأن استقرار الشرق الأوسط لا يمكن أن يتحقق عبر التجزئة أو الإقصاء، بل عبر إعادة دمج الدول التي كانت تُعامل كملفات أمنية مغلقة. وفي هذا السياق، تصبح سوريا ليست فقط طرفاً معنيّاً بالأمن، بل أيضاً ساحة اختبار لنموذج جديد من الحوكمة الإقليمية، يوازن بين السيادة الوطنية ومتطلبات التنسيق الجماعي.
وجرى خلال المنتدى عقد جلسة حوار بعنوان “الانتقال السياسي في الشام” وسط مشاركة فعّالة أكدّ خلالها الوزير الشيباني دور سوريا المحوري كشريك في السلام والاستقرار والازدهار، قائلاً: “سوريا الجديدة تنتهج سياسة دبلوماسية متوازنة لا تشكّل تهديداً لأحد ولا تريد أن تذهب باتجاه الاستقطاب، بل تريد الاستفادة من موقعها الجيوسياسي وأن تكون صلة وصل بين الشرق والغرب.”
وتأتي هذه المشاركة السورية بعد أكثر من شهر على مشاركة سابقة لوزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني ورئيس الاستخبارات السيد حسين السلامة في مؤتمر ميونيخ للأمن والقادة الذي عقد في مدينة العلا بالمملكة العربية السعودية في شهر أيلول الماضي، وكان اللقاء بعنوان “الشرق الأوسط في عالم متعدد الأقطاب”، وشكّل الفاتحة في بناء علاقات سورية استخباراتية وأمنية مع دول الجوار والمنطقة.
وبعد حوالي أسبوع من مشاركة سورية فاعلة في مؤتمر دافوس الصحراء (مؤتمر الريادة والاستثمار) الاقتصادي السعودي في الرياض، حيث اجتمع الرئيس الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني مع العاهل السعودي للتأكيد على ما تم التوصل إليه سابقاً من اتفاقات ومشاريع تنموية كبرى، تمهيداً لمرحلة جديدة من التعاون والاستثمار المشترك.
المؤتمر يُعدّ واحداً من أبرز المنصات الاقتصادية العالمية، حيث تتركز أجندته هذا العام على الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الرقمية، والرعاية الصحية، والاقتصاد العالمي.
وألقى الرئيس الشرع خلال المنتدى كلمة تناولت ثلاثة محاور أساسية:
أولاً: تأكيد متانة العلاقات التاريخية بين دمشق ودول الخليج، وخاصة السعودية، باعتبارها جسراً من الثقة والمصير المشترك.
ثانياً: الإعلان عن انفتاح اقتصادي واسع أمام الاستثمارات، وتأكيد استعداد دمشق لتقديم كل التسهيلات اللازمة للمستثمرين الجادّين.
ثالثاً: دعوة صريحة لرجال الأعمال والمستثمرين الأجانب لزيارة سوريا، والتعرف عن قرب على التحولات الداخلية والإنجازات الاقتصادية التي تحققت رغم صعوبة المرحلة الأمنية والاقتصادية التي تمر بها البلاد.
ويوم أمس الاثنين شارك وفد اقتصادي سوري رفيع المستوى بحضور الدكتور نضال الشعار، وزير الاقتصاد والصناعة، بافتتاح الاجتماع الـ41 للجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري بمنظمة التعاون الإسلامي “كومسيك”، مؤتمر يشكّل فرصة لتبادل الأفكار والآراء حول عدة مواضيع وعلى رأسها المشروع الوطني “صندوق التنمية السوري SYDF”، الذي تطمح الحكومة السورية أن يكون رافعة لإعادة الإعمار والتنمية في سوريا.
وقد أكدت تركيا خلال هذا المؤتمر رغبتها في دعم سوريا بشكل أكبر وعلى لسان الرئيس رجب طيب أردوغان الذي عبّر عن دعمه للرئيس أحمد الشرع في مرحلة الإصلاح والإعمار الحالية، وتفاؤله بقرب رفع العقوبات عن سوريا التي تشكّل عقبة خطيرة أمام التنمية الاقتصادية، وتعهد بأن تركيا ستواصل تقديم الدعم للشعب السوري في شتى الأصعدة، وأن نهوض سوريا أحد أهم أولويات تركيا، وتركيا اليوم تبدأ برنامج دعم خاص لسوريا تحت مظلة “كومسيك”.
كل هذا يحدث وسط استعدادات وتحضيرات لزيارة رسمية للرئيس أحمد الشرع إلى العاصمة الأمريكية واشنطن لعقد لقاء هو الثالث مع الرئيس ترامب، ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن دخول سوريا ضمن التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، زيارة هامة يُعوّل عليها كثيراً، ولقاء سيكون حاسماً للعديد من الملفات الأمنية والسياسية والاقتصادية في الداخل السوري عبر الاعتراف والدعم الدولي للحكومة الحالية ورفع كامل للعقوبات وضمان تثبيت حالة الاستقرار داخل سوريا.
زيارة ستسمح للرئيس الشرع بتحقيق إنجاز سياسي جديد من داخل قلب القرار الأمريكي، ومن بوابة واشنطن وبيتها الأبيض!!
كل ذلك وسط حكومة سورية يعمل وزراؤها كخلية نحل، دبلوماسياً عبر حضور دولي فاعل، وأمنياً عبر نسج علاقات أمنية فاعلة مع الإقليم، وعسكرياً عبر عقود تسليح وتدريب للجيش العربي السوري الجديد، وكذلك على صعيد الاقتصاد والصناعة والزراعة والعدل.
خلاصة القول:
القطار السوري الجديد انطلق بالفعل سياسياً ودبلوماسياً واستخباراتياً وعسكرياً، يحمل معه رؤية مختلفة ووجهة لا عودة عنها.
فدمشق اليوم تتحول بثبات، شيئاً فشيئاً، إلى لاعب إقليمي ودولي مؤثر، ومن خلفها شعب ماضٍ بقوة نحو المستقبل المشرق، فالزمن تغيّر، وعقارب الساعة في هذا البلد لن تعود إلى الوراء.
ويبقى السؤال: هل تستطيع الحكومة السورية الحالية في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة الحفاظ على مصالح سوريا والشعب السوري، وحفظ التوازن وسط هذا التسابق والتنافس الإقليمي على سوريا؟.






