سُجلت في محافظة القنيطرة، يوم أمس، عدة انسحابات من الهيئة الناخبة لانتخابات مجلس الشعب، وذلك اعتراضاً على قرار اللجنة العليا للانتخابات باستبعاد عدد من الأعضاء.
وقالت الدكتورة “مروى عثمان”، عضو الهيئة الناخبة، لموقع “جولان”: “إقصاء أسماء ثورية لها ثقل في تاريخ الثورة، والإبقاء على أسماء معروفة بتاريخها غير المشرف”، على حدّ وصفها، كان السبب الرئيس وراء هذا الموقف.
الأعضاء الذين أعلنوا انسحابهم هم: “هديل غانم، فاتن محمد، بيان شنوان، إيمان محمد، مروة عثمان، مزعل موسى العلي، وخديجة هايل محمد”.
أسماء مستبعدة مثيرة للجدل
الهيئة شهدت استبعاد شخصيات بارزة، من بينهم الدكتور “إياس غالب رشيد”، “الشيخ مصعب الزامل”، “الدكتور أحمد دحام الطحان”، “ممدوح الطحان”، “المعتقل حمزة الكدع”، “القاضي خالد لورنس قبلان”، “فهمية الموسى”، والأستاذ “ياسر المرزوقي”، إلى جانب أسماء أخرى.
الدكتور “إياس غالب الرشيد” في تصريح خاص “لموقع مؤسسة جولان” اعتبر أن ما يجري يتجاوز الإجراءات التنظيمية، متسائلًا عمّن يقف خلف هذا القرار. وقال:
“هناك شبح يتحكم في الانتخابات لا أحد يعرف من هو، وهو الذي وضع استراتيجية إبعاد جميع الثوار من قوائم الانتخابات، ويتداول الناس هنا عبارة: (في تعليمات من فوق) ولا يذكرون من هذا الذي في (الفوق). والشق الثاني في المسألة هو الاغتيال السياسي والأخلاقي للثوار الذين تقدموا إلى لجان الانتخابات حيث تحولت ملفاتهم إلى الطعون أمام المحكمة، والاعتراض المقبول هو من أزلام النظام السابق، ولا يحق للمطعون فيه أن يراجع أو يستأنف أو يسأل. وهذا ما شكل صدمة عند جماعة الثورة الذين قدموا ملفاتهم، حيث ظهروا أمام المجتمع أنهم من أزلام النظام السابق بحكم المحكمة، والناس يقولون تبين أن هؤلاء شبيحة وكانوا يكذبون علينا، وهذا صنع احتقانًا كبيرًا بين جمهور الثورة.”
مخاوف من “اغتيال سياسي وأخلاقي”
وحذّر “الرشيد” مما أسماه “اغتيالاً سياسياً وأخلاقياً”، مضيفاً:
“ويبدو أن هذا الشبح المتحكم يريد أمرين: إبعاد الثوار عن مجلس الشعب واغتيالهم أخلاقيًا وسياسيًا بحكم محكمة حتى يتم إبعادهم تمامًا من المشهد السياسي. أما بالنسبة لقضية الانسحاب من الانتخابات، فما يدور هنا بين الثوار أن هذه اللجنة كلها من الفلول ومؤيدي النظام السابق، لذلك انسحب من اعتقدت اللجنة أنهم جثة سياسية، ولكن فوجئت أن هؤلاء الثوار دخلوا اللجنة فوجد هؤلاء الثوار أنفسهم ضمن تركيبة كبيرة من جماعة النظام السابق فآثروا الانسحاب.”
رد اللجنة العليا واللجنة الفرعية
في المقابل، أصدرت اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب بياناً أوضحت فيه أن استبعاد بعض الأسماء لم يكن لأسباب شخصية. وجاء في البيان:
“إن اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب تنوه إلى أن ورود أسماء لأخوات وأخوة في القوائم الأولية وعدم ورودها في القوائم النهائية، ليس مرده لأسباب تتعلق بشخوص الأخوات والأخوة ومكانتهم وسمعتهم أو أنهم مكان للطعن، وإنما مرده أمور تقنية تتعلق بالتوزع السكاني والتنوع الثقافي والاختصاص العلمي.”
وفي تصريح خاص لموقع “مؤسسة جولان” أضاف السيد “أيمن القعيري”، رئيس اللجنة الفرعية لانتخابات مجلس الشعب في القنيطرة، نافياً ما تم تداوله حول الانسحابات:
“لم يتم تقديم أي طلب للانسحاب من قبل المنسحبين، فالذي ينسحب يجب عليه أن يتقدم بطلب خطي للجنة ويذكر به أسباب الانسحاب، وهذا لم يحدث.”
وتابع القعيري:
“هذه الانسحابات “مزعجة”، ومن اختار الأعضاء هي اللجنة العليا للانتخابات. وأؤكد أن أسباب الرفض قد تكون لأسباب جغرافية وكفاءات وليس لها علاقة بالسيرة الثورية إطلاقاً، وموضوع الانسحابات هو تعطيل للانتخابات وللعمل التشريعي في سوريا.”
وتساءل رئيس اللجنة الفرعية عن توقيت الاعتراضات قائلاً:
“لماذا لم يتم تقديم طعون خلال فترة الطعون وهي خمسة أيام؟ هذا يدل على وجود انحياز لشخص مع شخص ووجود تكتلات. عملية الانسحاب هي عملية تشويه للانتخابات ولعمل دام أربعة شهور بكل شفافية وتقانة.”
جدل مرشح للتصاعد
إن ما شهدته “محافظة القنيطرة” من انسحابات في الهيئة الناخبة، وما تبعها من سجال بين أعضاء انسحبوا احتجاجاً على ما وصفوه بـ”الإقصاء الممنهج”، وبين اللجنة العليا واللجنة الفرعية التي شددت على أن القرارات المتخذة جاءت وفق اعتبارات “تقنية” لا صلة لها بالبعد السياسي أو الثوري، يكشف بوضوح هشاشة الثقة المتبادلة بين طرفين يُفترض أنهما يلتقيان على هدف واحد: “إنجاح العملية الانتخابية”. هذا التباين في الخطاب يعكس أزمة أعمق تتجاوز الأسماء المستبعدة أو المنسحبة، إلى سؤال محوري حول مدى قدرة المؤسسات الانتخابية في سوريا الجديدة على طمأنة الشارع وضمان تمثيل متوازن لمختلف التيارات والشرائح.
فمن جهة، يرى بعض الناخبين أن استبعاد شخصيات لها رصيد ثوري يهدد بخلق فجوة ثقة ويكرس شعوراً بالإقصاء، في وقت تحتاج فيه العملية السياسية إلى تعزيز الشفافية والانفتاح. ومن جهة أخرى، تؤكد اللجان المشرفة أن الإجراءات كانت محكومة بضوابط قانونية وتنظيمية، وأن الاعتراضات والانسحابات لم تسلك المسار المؤسسي المحدد لها، ما يثير شبهة الدوافع السياسية خلف هذه المواقف.
وبين الرأيين، يظل الرهان الحقيقي على قدرة الأطراف كافة على تحويل هذه التجربة إلى فرصة لمزيد من النقاش الجاد حول آليات الاختيار والتمثيل، بعيداً عن الاتهامات المتبادلة أو التشكيك المسبق. فالانتخابات في القنيطرة ليست مجرد استحقاق محلي، بل مؤشر يُقرأ في الداخل والخارج حول مدى جدية التحول الديمقراطي ومساحة المشاركة السياسية في سوريا ما بعد النظام البائد. وفي ظل هذه التحديات، فإن بناء الثقة يتطلب شفافية أكبر في الإجراءات، ووضوحاً في المعايير، واستعداداً حقيقياً للاستماع إلى أصوات جميع الفاعلين، بما يحول دون تكريس الانقسامات ويضمن أن تبقى صناديق الاقتراع مدخلاً للحوار لا ساحة للتجاذب.
- فريق التحرير






