غير بيدرسون

بعد نحو سبع سنوات من توليه منصب المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، أعلن “غير بيدرسون” استقالته في لحظة مفصلية تعيشها البلاد. هذه الاستقالة لا تعني فقط رحيل دبلوماسي أممي، بل يمكن النظر إليها باعتبارها إعلانًا غير مباشر عن سقوط القرار 2254، الذي شكّل لسنوات طويلة المرجعية الدولية للحل السياسي في سوريا، لكنه بقي حبرًا على ورق.

القرار 2254: الآمال والخيبات

صدر القرار 2254 عن مجلس الأمن الدولي في ديسمبر 2015، وكان يهدف إلى: إطلاق عملية سياسية انتقالية يقودها السوريون برعاية الأمم المتحدة. صياغة دستور جديد. تنظيم انتخابات حرة ونزيهة بإشراف أممي. توفير بيئة آمنة ومحايدة تضمن مشاركة جميع السوريين. لكن منذ لحظة صدوره، اصطدم القرار بتعقيدات الميدان وتشابك المصالح الدولية والإقليمية. ظل شعارًا تُردده العواصم الكبرى دون أي التزام فعلي بتنفيذه.

بيدرسون ودوره العبثي

عندما تسلّم غير بيدرسون مهمته عام 2018، ورث ملفًا مثقلاً بالفشل من أسلافه. ربط مصيره بالقرار 2254، وسعى لإطلاق ما سُمّي “اللجنة الدستورية”، لكنها لم تنتج سوى اجتماعات عقيمة وبيانات عامة، فيما استمرت آلة الحرب والتشريد والانهيار الاقتصادي.

كان بيدرسون يحاول دائمًا ترويج مقاربة “خطوة مقابل خطوة”، لكنه لم ينجح في تحقيق أي اختراق حقيقي، لا في ملف المعتقلين، ولا في إطلاق عملية سياسية ذات مصداقية، ولا حتى في بناء ثقة أولية بين الأطراف.

الاستقالة كسقوط للقرار

اليوم، مع التحولات الكبرى التي شهدتها سوريا وسقوط النظام السابق، أصبح “الانتقال السياسي” أمرًا واقعًا، لا مشروعًا تفاوضيًا. وهنا تفقد استقالة بيدرسون معناها الفردي لتتحول إلى علامة على موت القرار 2254 سياسيًا:

  • لم يعد هناك معنى للجنة الدستورية.

  • لم يعد الانتقال السياسي بحاجة إلى مظلة تفاوضية دولية، لأنه تحقق على الأرض.

  • لم يعد السوريون ولا القوى الدولية يتعاملون مع القرار سوى كوثيقة أرشيفية.

يمكن القول إن استقالة غير بيدرسون لم تُسقط رجلًا، بل أسقطت وهمًا سياسيًا اسمه القرار 2254. ذلك المسار الذي استهلك سنوات من أعمار السوريين وأطنانًا من الورق والبيانات، دون أن يغيّر شيئًا في الواقع. لقد انتهت مرحلة الشعارات الدولية، وبدأت مرحلة الوقائع السورية الجديدة، حيث تُصنع السياسة لا على طاولة جنيف، بل في شوارع المدن المدمرة ومخيمات اللاجئين وأروقة إعادة البناء.

 

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top