حراك دبلوماسي فاعل تشهده العاصمة السورية دمشق ودول المنطقة، في إطار الاستعدادات السياسية والدبلوماسية السورية للذهاب بوفد رسمي رفيع المستوى بقيادة السيد الرئيس أحمد الشرع للمشاركة في مؤتمر الجمعية العمومية للأمم المتحدة كأول رئيس سوري منذ أكثر من خمسين عاماً…
تحضيرات سياسية داخلية وخارجية عملت عليها الحكومة السورية بداية من توقيع الاتفاق الثلاثي وخارطة الطريق لحل ملف السويداء عبر مبادرة حكومية جاءت كوثيقة ذات سبع بنود بدعم وضمان ومراقبة من الولايات المتحدة والأردن بهدف معالجة وحلحلة ملف السويداء عبر الاتفاق على إدخال المساعدات وتشكيل لجنة تحقيق ومحاسبة بخصوص الأحداث الأخيرة، وتأمين الطرق وعودة الخدمات وضبط الأمن والأمان بجهود ومشاركة أهلية محلية وبإدارة مركزية حكومية وفرض سيادة الحكومة السورية على السويداء وإقامة مصالحة شعبية كاملة.
تبع ذلك الاتفاق زيارة ناجحة لوزير الخارجية السورية إلى العاصمة البريطانية لندن، حيث جرى على هامش الزيارة لقاء جمعه مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي وسط حديث عن اتفاق بات شبه مؤكد على بنود تفاهم أمني بخصوص المنطقة العازلة في الجولان، اتفاق أمني سيساهم حتمًا في تخفيف التصعيد وحل المشاكل واستقرار كامل في الجنوب السوري. اتفاق غالبًا سيتم الإعلان عن تفاصيله خلال زيارة الرئيس أحمد الشرع لنيويورك، وتفاهم ترى فيه كل من سوريا وإسرائيل أنه ضروري لتحقيق مصالح أمنية ضرورية وسيتم برعاية أمريكية وبدعم من كل الأردن ودول أوروبية وإقليمية.
وعلى إثر نجاح زيارة لندن توجه وزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني إلى واشنطن والتقى بالسيناتور الأمريكي ليندسي غراهام، حيث جرى بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين سوريا والولايات المتحدة، ورفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا.
وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور جيم ريتش في منشور عبر منصة X:
يا له من اجتماع مثمر جرى بيننا وبين وزير الخارجية السورية أسعد الشيباني، ناقشنا فيه الخطوات الأساسية التي يتعين على سوريا اتخاذها لضمان انفتاحها الكامل على الاقتصاد الدولي، وقال أيضًا: أمام سوريا فرصة لبناء ديمقراطية مستقرة وهو ما تحتاجه المنطقة بشدة في هذه المرحلة وأنا متفائل بأنهم يسيرون على الطريق الصحيح.
وبعد هذا اللقاء قام السيناتور ويلسون بدعوة الكونغرس لإلغاء قانون قيصر المفروض على سوريا، وقال أيضًا: تشرفتُ باستضافة وزير الخارجية أسعد الشيباني، وهو أول وفد سوري يزور الكونغرس منذ 25 عامًا، مشيرًا إلى أن اللقاء يمثل بداية فصل جديد في العلاقات بين البلدين. وقال: لقد أتاحت قيادة الرئيس دونالد ترامب فرصة تاريخية لفصل جديد يعود بالنفع على الجميع، وعلى الكونغرس الآن أن يتحرك ويلغي قانون قيصر بالكامل، مؤكدًا أن الوقت قد حان لإعطاء سوريا فرصة حقيقية لإنهاء العقوبات المفروضة عليها.
كل هذه التحضيرات والأجواء الودية والتفاهمات تجري تمهيدًا لزيارة الرئيس أحمد الشرع إلى أمريكا، حيث سيلتقي الرئيس ترامب يوم الاثنين المقبل، وضمن جدول أعمال الزيارة سيكون الرئيس الشرع مدعوًا لحفل رسمي أمريكي يقيمه الرئيس ترامب، وسيرافقه وزراء الخارجية والطوارئ والإعلام والشؤون الاجتماعية وذلك خلال الفترة الممتدة من يوم الأحد إلى الخميس القادم.
فيما يتعلق بملف قسد وشمال شرق سوريا:
صرحت وزارة الدفاع التركية: إنه لا انسحاب من سوريا إلا بعد زوال التهديد الإرهابي… وفي ذلك تلويح باستخدام الخيار العسكري بالتعاون مع الحكومة السورية في حال لم تبدأ قوات سوريا الديمقراطية بتطبيق اتفاق العاشر من آذار. وكان قبل يومين رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم كولن في زيارة لدمشق والتقى الرئيس الشرع في زيارة اعتبرها محللون فرصة لتحقيق حلحلة بملف قوات سوريا الديمقراطية وتحضيرات مشتركة لتطبيق الاتفاق بالطرق السلمية والاستعدادات للخيار العسكري بدعم ومراقبة من الولايات المتحدة التي قامت أمس الخميس بعزل ثلاثة دبلوماسيين يعملون في منصة سوريا الإقليمية بسبب خلافهم مع المبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس باراك وانحيازهم إلى “قوات سوريا الديمقراطية”.
من بين الدبلوماسيين المعزولين مدير المنصة نيكولاس غرانجر، فتوماس باراك كان مستاءً من طريقة تعامل مدير المنصة خلال اجتماعه مع مسؤولي الحكومة السورية. الدبلوماسيون الثلاثة يمثلون رؤية بريت ماكغورك منسق الأمن القومي الأمريكي السابق للشرق الأوسط والداعم لقوات “قسد”. وفي ذلك رسالة أمريكية بتغيير موقفها تجاه قسد وتحولها لدعم مسار سيطرة الحكومة السورية على كامل الجغرافيا السورية لفرض سيادتها كحكومة شرعية.
تستمر الحكومة الجديدة بسياستها لبناء الثقة داخليًا وخارجيًا عبر عدة مسارات كان أبرزها الاستمرار بالعمل كحكومة مؤقتة تمثل غالبية الشعب السوري. حكومة ملأت الفراغ السياسي والعسكري عقب سقوط النظام وعمدت منذ اليوم الأول لترسيخ السلام والاستقرار في سوريا والسيطرة على كافة أراضي السورية وتحقيق العدالة الانتقالية وإنجاح عملية الانتقال السياسي…
ومن جهودها الأخيرة أصدر وزير الداخلية أمس قرارًا بتعيين عدة قيادات أمنية من أبناء السويداء في محاولة لإتاحة الجهود والبدء بتطبيق الاتفاق الثلاثي، وذكر في منشور عبر منصة “إكس” أن التعيينات الجديدة في السويداء تهدف لإعادة هيكلة المنظومة الأمنية والشرطية. كما قام وزير الداخلية باستقبال وفد من الطائفة المرشدية من مختلف المحافظات في زيارة تهدف إلى تعزيز جسور التواصل والتعاون بين الجهات الرسمية والمكونات المجتمعية، وتركز اللقاء حول آليات توحيد الجهود في سبيل الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة وترسيخ سيادة القانون التي تضمن حقوق جميع المواطنين.
كما بحث وزير الدفاع اللواء مرهف أبو قصرة في دمشق مع اللواء باتريك غوشات رئيس بعثة “الانتسو” لحفظ السلام التابعة للأمم المتحدة سبل تطوير التعاون والتنسيق المشترك وتعزيز الأمن والسلام، مما يعزز موقف سوريا في التفاهم الأمني في المنطقة العازلة بخصوص خطة المراقبة والتي ستشرف عليها قوات أمنية كـ”الأندوف” أيضًا، مما يعطي فرصة لنجاح عملية تثبيت الاتفاق، وتحسين حالة الاستقرار في المنطقة الجنوبية.
من الواضح أن الرئاسة السورية اليوم تعمل بخطوات ذكية ومدروسة في إنجاز اتفاقات إقليمية تضع الخصوم والمتربصين أمام خيارات صعبة، فلا خيار أمامهم إلا التسليم لسيادة الدولة الجديدة.
بالإضافة لتفاهمات صاغتها مع روسيا والصين أعطت سوريا مزيدًا من أوراق القوة في سبيل تحقيق الاستقرار والتوازن الدولي والحضور الفاعل.
في النهاية تستمر الدبلوماسية السورية في إرسال رسائلها الإيجابية للداخل والخارج والتي نتمنى أن تكلل بالنجاح، دون إغفال حاجة سوريا اليوم لعقد تحالفات عسكرية مع دول قوية في المنطقة لضمان أمن سوريا في حال اتجهت الأمور العالمية باتجاه الحرب. كل هذه الاتفاقات والتكتيكات تحتاج لعمل دؤوب وقيادة حكيمة قادرة على فرض معادلات جديدة لصالح سوريا لتحقيق السيادة والاستقرار والتنمية.






