الرئيس الشرع مع نظيره أمير دولة قطر

عقد في العاصمة القطرية الدوحة أمس الأحد، اجتماع استثنائي وطارئ وقمة وُصفت بغير العادية للدول العربية والإسلامية، شارك في هذه القمة العديد من الملوك والأمراء والقادة والرؤساء العرب ورؤساء الدول الإسلامية، حيث عبّر الجميع في خطاباتهم عن تضامنهم اللامحدود مع قيادة قطر وشعبها، وأدانوا واستنكروا بأشد العبارات الاعتداء الإسرائيلي السافر على العاصمة القطرية.

ودعت القمة الاستثنائية إلى موقف جماعي وموحد يلجم إسرائيل ويضعها عند حدودها وينهي معاناة الشعب الفلسطيني، ويكفّ الاعتداءات المستمرة على كل من سوريا ولبنان، ورفضوا الاستفزاز المستمر لمشاعر العرب والمسلمين باستمرار حرب الإرهاب والتجويع في قطاع غزة، ورفض الانتهاكات الإسرائيلية، وإدانة المجازر اليومية التي تطال أهلها، وإدانة الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى والفلسطينيين في الضفة الغربية.

قمة لم تأت بجديد، فسلوك إسرائيل العدواني لم يتغير سواء قبل القمة أو بعدها، وأصبح العرب يعرفون جيداً أن إسرائيل لا توقفها الكلمات والخطابات. ولكن كيف ومتى وأين سيكون ردهم الرادع على إسرائيل؟ لا أحد يعلم… سؤال قد تجيب عنه الأيام والمتغيرات والأحداث القادمة.

لا شك أن الهجوم السافر الذي استهدف العاصمة القطرية الدوحة الأسبوع الماضي يشكل أخطر حدث أمني وعسكري في المنطقة منذ بداية معركة السابع من أكتوبر 2023، اعتداء يحمل في طياته رسائل كثيرة وما قبله لن يكون كما بعده…

هذا العدوان الصهيوني الغاشم والجبان في وضح النهار استهدف وسط العاصمة القطرية الدوحة، الدولة المستضيفة والراعية الأولى لعملية التفاوض بين إسرائيل وحماس منذ بداية طوفان الأقصى. قصف كان هدفه تحديداً اغتيال قادة المكتب السياسي لحركة حماس، والتي كان وفدها التفاوضي حينها يناقش مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإيقاف القتال في غزة. ولكن إسرائيل وجدتها فرصة لتصفية عناصر الوفد التفاوضي للحركة، واعتبرتها ضوءاً أخضر أمريكياً للتخلص من كبار قادة حماس المتواجدين في قطر في محاولة لتحقيق نصر إعلامي بحماية أمريكية وتواطؤ أمريكي واضح على حساب انتهاك سيادة دولة قطر، قطر التي احتجت على هذا التواطؤ بدليل تعطيل منظومة الدفاع الجوي بشكل كامل أثناء حدوث الضربة.

ضوء أخضر أمريكي أعطى مجالاً لإسرائيل باستمرار سياستها في سفك الدماء العابر للحدود، متجاوزة بذلك كل الأعراف والقوانين الدولية.

اللافت في الأمر أن إسرائيل طالما استغلت فترة المفاوضات لتحقيق ضربات عسكرية استباقية وعدوانية حاسمة على دول المنطقة، كما حدث مؤخراً إثر استهداف كبار القادة العسكريين والعلماء الإيرانيين في وقت كان فيه الفريق التفاوضي الإيراني يناقش في طهران وثيقة الرئيس ترامب لحل الأزمة الإيرانية النووية. وكان على إثر تلك الضربة حرب استمرت اثني عشر يوماً انتهت بتدخل أمريكي وقصف لمنشأة فوردو النووية الإيرانية شديدة التحصين.

ما زالت إسرائيل دولة إجرامية تقودها حكومة يمينية متطرفة تمارس إرهاب الدولة بكافة صوره وبشكل يهدد أمن المنطقة جمعاء. إرهاب عابر للحدود دون أي رادع، وما كان لإسرائيل أن تمارس هذا النوع من سلوك العربدة في المنطقة إلا بعد أن أعطتها الإدارة الأمريكية تلك الموافقة لتفرض هيمنتها على دول المنطقة.

فخلال الأيام الماضية استهدف الطيران الإسرائيلي خمس بلدان عربية، فهناك استهداف شبه يومي لمواقع حزب الله داخل لبنان رغم وجود هدنة بين الطرفين، بالإضافة لعدة غارات استهدفت مواقع عسكرية داخل سوريا في وقت سابق، وتم تسجيل حادثة لاستهداف أسطول سفن الحرية المتواجد قبالة سواحل تونس، في حين ما تزال الاستهدافات مستمرة للعاصمة اليمنية صنعاء وما حولها.

استهدافات كان أولها حرب الإبادة في غزة، وكان آخرها قصف العاصمة القطرية الذي فشل في تحقيق هدفه في اغتيال قادة المكتب السياسي لحركة حماس وأسفر عن ثلاثة شهداء هم فلسطينيون وقطري. بينما اعتبره محللون نجاحاً في اغتيال عملية التفاوض وهو مراد إسرائيل، فهي تسعى لعدم إنهاء الحرب وعدم إنهاء ملف الأسرى وتوسيع دائرة النزاع. صراع قد يتفاقم خصوصاً بعد تصريحات مجموعة من الإعلاميين الإسرائيليين بقولهم إن الهدف القادم سيكون تركيا، مما دفع مستشار الرئيس التركي للرد عليهم مباشرة: “إن السلام لن يتحقق في المنطقة إلا بعد إزالة إسرائيل من الخارطة”.

تراشق إعلامي وتهديد ووعيد يعتبر بمثابة إعلان حرب مفتوحة بين إسرائيل وتركيا… حرب يراها محللون باتت قريبة. هذا الهجوم يعطي رسائل أن أمن المنطقة والعالم على كف عفريت، وأن السلام في المنطقة ذاهب باتجاه المجهول، وأن هذا القصف ولو لم يحقق أهداف إسرائيل في تصفية قادة حماس فإن الرسالة الإسرائيلية التي تحاول إيصالها بأنها هي القوة الوحيدة المهيمنة في المنطقة قد تُحدث زلزالاً جديداً في المنطقة، مما يوجب على دول المنطقة إعادة ترتيب الأولويات الأمنية لبلدانها، وخصوصاً الخليج الذي بات يبحث عن بدائل دفاعية وشراكات أمنية أكثر فعالية مثل تركيا والصين.

فهذه قطر تعلن بصراحة رغبتها بتوسيع التعاون العسكري مع تركيا، وهو حق مشروع، خصوصاً بعد تواطؤ الجانب الأمريكي بدليل تأخره في تأمين الحماية العسكرية خلال الضربة الإسرائيلية. اليوم نرى إلى جانب قطر باقي إخوتها في البيت الخليجي وكل الأشقاء العرب والدول الصديقة والإسلامية. الدول التي كانت لديها تحفظات على دور تركيا في أمن الخليج اليوم يتفقون على حق قطر المشروع في ذلك. على دول المنطقة العمل الجماعي لإيقاف الحرب ولجم إسرائيل ودعم الجيشين السوري واللبناني لمواجهة مخاطر واعتداءات إسرائيل المتكررة. دعم قد نراه ملحوظاً خلال الأيام والأسابيع القادمة في سبيل تحقيق الأمن العربي المشترك. فعلى العرب عدم الاستهانة بأعمال إسرائيل على المدى القصير والمتوسط، فمطامعها باتت مكشوفة للجميع.

في حال عدم تدخل أمريكا والعالم جدياً في إيقاف إسرائيل عن عدوانها، فإن ضرب قطر هو اغتيال لعملية السلام المتعثرة ومؤشر على أن الحرب مستمرة ولن تتوقف، وأن الحروب المؤجلة أصبحت قريبة، للأسف قد تكون فيها سوريا ولبنان ساحة للمواجهة والعراك وتصفية الحسابات، وأصبح الجميع يعرف للأسف أن نيران هذه الحرب لن توفر باقي الدول في عمق المنطقة كالأردن والخليج وتركيا وإيران ومصر.

 

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top