الرئيس السوري أحمد الشرع

ظهر الرئيس “أحمد الشرع” البارحة في لقاء تلفزيوني مصور مع القناة الإخبارية السورية، لقاء هو الأول من نوعه مع قناة سورية، وتطرق الحديث إلى مجمل القضايا الداخلية والخارجية والسياسية، وناقش آخر التطورات والأحداث منذ سقوط النظام حتى الآن…

وأسهب الرئيس أحمد الشرع في حديثه عن علاقات سوريا الخارجية، وأشاد بالنجاح السريع في رسم سياسة خارجية جديدة منفتحة وواضحة، قائمة على التعاون الدولي والاحترام المتبادل، مركزاً في حديثه على مفهوم الأمن الإقليمي المشترك، وأن أمن سوريا من أمن المنطقة، وفي ذلك حق. فمع تشعب مصالح الدول في سوريا، ومع ثبات تركيزها على أهمية الاستقرار في سوريا لتحقيق هذه المصالح، يبرز عامل أهمية الحفاظ على هذا الاستقرار لما فيه ضرورة لاستقرار المنطقة جميعها.

ولا أحد من دول العالم يتمنى أن تعود سوريا للعهد القديم القائم على العزلة والانغلاق، باستثناء الدول التي تريد نشر القلاقل والبلابل، فعليها أن تختار…

الشرع قال إن نجاح سوريا في إعادة بناء علاقاتها الدولية والإقليمية بسرعة كبيرة يعكس مدى محبة كبيرة لسوريا من معظم دول العالم، وخاصة من دول الإقليم، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية لديها رغبة كبيرة في الاستثمار بالداخل السوري. مؤكداً أن سوريا لا تريد أن تكون بحالة من القلق والتوتر مع أي دولة في العالم، وأن سوريا تبحث عن الهدوء التام في العلاقات مع كل دول العالم والمنطقة، وهذه سياسة واضحة منذ اللحظات الأولى.

وشدد على أهمية موضوع ربط طرق التجارة البرية ما بين الشرق والغرب، والتي تمر بالضرورة من سوريا، في ظل حاجة العالم لضمان أمان سلاسل التوريد وإمدادات الطاقة، وكلا الأمرين متوفر في سوريا. هذه المشاريع الاستثمارية في الطاقة تعود بالمنفعة على جميع دول الجوار في حال قامت العلاقة على أساس الاحترام والتعاون المتبادل وحسن الجوار، والإيمان بالسلام والتنمية والازدهار.

فيما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل قال الرئيس الشرع:
إن إسرائيل اعتادت أن تعالج مشاكلها الاستخباراتية وفشلها الأمني في بعض الأحيان بأن تستخدم عضلاتها في تبرير المخاوف الأمنية، مما يفسر استفزازاتها المستمرة داخل الجولان المحتل وعلى أطراف ريف العاصمة دمشق. وأوضح الرئيس خطأ الحكومة الصهيونية حين اعتبرت أن سقوط النظام هو خروج لسوريا من اتفاق عام 1974، رغم أن سوريا أبدت من أول لحظة التزامها به.

سوريا أبدت التزامها باتفاق 1974 وراسلت الأمم المتحدة وطلبت من قوات “الأندوف” أن تعود إلى ما كانت عليه، ويجري تفاوض على اتفاق أمني حتى تعود إسرائيل إلى ما كانت عليه قبل 8 ديسمبر. وأكد الرئيس في نهاية المطاف أن سوريا لن تتنازل عن ذرة تراب واحدة، قائلاً: هذا قسم أقسمناه أمام الناس، ويجب أن نحمي كل التراب السوري، وهو ما يمكن اعتباره مبدأ أي مفاوضات جارية مع هذا الكيان…

فيما يتعلق بالعلاقة مع روسيا قال الرئيس الشرع:
روسيا دولة مهمة في العالم، وهي عضو في مجلس الأمن، وهناك روابط وثيقة بين سوريا وروسيا، ونحن ورثناها، فينبغي الحفاظ عليها وإدارتها بطريقة هادئة ورزينة.

وفي رأيي إن تجاهل المصالح الروسية في المنطقة سيكون خطأً استراتيجياً فادحاً. فموسكو، التي استثمرت سياسياً وعسكرياً في الصراع السوري، لن تتقبل بسهولة خروج سوريا من دائرة نفوذها. ولذلك، ورغم كل الماضي المعقد مع الروس، فإن مقاربة “الاحتواء الناعم” لروسيا تفرض نفسها. فمن المفيد للحكومة السورية الجديدة أن تمارس المراوغة السياسية الذكية، بحيث تُظهر احترامها لدور روسيا، وتبدي استعدادها للتنسيق في قضايا أمنية أو اقتصادية، من دون أن تمنح موسكو مفتاح القرار السوري. المطلوب هو خلق حالة من “التوازن غير المعلن”، بحيث تشعر روسيا أن سوريا ليست خصماً، لكنها لم تعد ساحة حصرية لنفوذها.

العلاقة مع الولايات المتحدة وأوروبا:
قال الرئيس الشرع: سوريا استطاعت أن تبني علاقة جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع الغرب، وأن تحافظ على علاقة هادئة مع روسيا، وأن تبني علاقات جيدة مع دول الإقليم. سوريا استطاعت أن تجمع ما بين المتناقضات الحالية العالمية، واستطاعت من خلال الدبلوماسية القوية التي عملت عليها خلال الأشهر التسعة الماضية أن تحقق نسيجاً من هذه العلاقات.

 إن خيار تعزيز العلاقة مع الولايات المتحدة لا يعني بالضرورة إعلان العداء لروسيا، وإنما هو تموضع سياسي استراتيجي تقتضيه المصلحة الوطنية السورية العليا، وهو مقاربة سياسية صحيحة.

وعلى الصعيد نفسه تتجه الأنظار قريباً إلى زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى نيويورك، للمشاركة في الدورة الـ80 من أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة المقرر عقدها في نيويورك، بأول مشاركة رئاسية سورية منذ 1967. وهو أهم اجتماع دبلوماسي عالمي يمكن أن يحضره رئيس سوري، وهو دليل على نجاح السياسة الخارجية السورية وإنجاز هام لفريقها الدبلوماسي برئاسة الرئيس الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني، وسبق هذا الاجتماع تعيين السيد إبراهيم العلبي مندوباً لسوريا في الأمم المتحدة.

وفي رسالة للشعب قال الرئيس الشرع: إنه لا فائدة من النظر إلى الماضي فلن نستطيع أن نتقدم إلى الأمام، والمهم أن تُبنى العلاقات على أساس سيادة سوريا واستقلال قرارها، وعلى أساس أن تكون المصلحة السورية أولاً. ولم يُخفِ الشرع مشاعر حبه الفياض تجاه الشعب السوري، وطمأن السوريين أن سوريا تُبنى بشكل صحيح، والتحسن سيراه الناس في كل شهر، وما يحتاجونه هو الصبر والثقة، وأنه متفائل بالقدرة على حل مشاكل سوريا بشكل متدرج وفعال بما يحقق مصالح ومطامح السوريين.

بالمجمل إن التحركات الدبلوماسية السورية منذ سقوط النظام كانت هامة بالمطلق، وحققت موضعاً ومكانة جديدة لصورة الدولة السورية الجديدة. والالتزام بنهج دبلوماسي قائم على الشراكات لا الإملاءات، والتفاهمات لا العداوات، والمصالح المشتركة والتعاون الأمني وحسن الجوار، وتبادل الخبرات، وخصوصاً في مجال العدالة وحقوق الإنسان ومشاريع الاستثمار وفرص الاقتصاد الجديد في الشرق الأوسط…

نجاح الحكومة السورية بقيادة أحمد الشرع لن يُقاس فقط بما تنجزه داخلياً من إعادة إعمار أو إصلاح سياسي، بل بما ترسمه أيضاً من معالم للسياسة الخارجية التي ستحدد موقع سوريا في خريطة النفوذ الإقليمي والدولي، على مبدأ المرونة وتجاوز خلافات الماضي. وعليه، فإن السير على هذا الحبل الدقيق يتطلب دبلوماسية نشطة وقيادة واعية تدرك التحولات العالمية وتغير موازين القوى في الشرق الأوسط، مما قد يفرز واقعاً جديداً لا مكان فيه للدول الضعيفة التابعة.

فإما أن تكون الدولة مرنة وذات خيارات استراتيجية مستقلة، أو تكون ساحة لتصفية الحسابات الدولية. حتى ذلك الوقت لا تزال الحكومة ترسم صورة سوريا الجديدة، وعليها أن تستفيد من موقعها الجيوسياسي و الهام أمنياً واقتصادياً.

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top