بين أشجار البلوط والسنديان العتيقة في قرية “طرنجة” بريف القنيطرة الشّمالي، يعلو مرقد يقال إنه يعود للصحابي الجليل “أبي ذر الغفاري”. ليس مجرد بناء حجري صامت، بل مكان ارتبط بذاكرة الناس وتحول مع مرور الزمن إلى جزء من هوية الجولان وواحة تراثية تربط الماضي بالحاضر.
سيرته الذاتية
الصحابي “أبو ذر الغفاري”، واسمه جُندب بن جُنادَة، كان من أوائل من دخلوا الإسلام، واشتهر بالصدق والزهد والجرأة في قول الحق. وقد مدحه الرسول ﷺ بقوله: “ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر”. وعلى مرّ السنين، شكّل شخصه مصدر إلهام ديني وروحي، انعكس على مكانته في الذاكرة الشعبية.
حول وجود مرقده في “طرنجة” تعددت الروايات. الرواية الشعبية تقول إنه أقام في القرية ودُفن فيها أثناء تنقله في بلاد الشام، بينما تشير روايات دينية أخرى إلى أن المقام رمزي، هدفه حفظ الذاكرة الدينية وتخليد سيرته.
طقوس وعادات
وعلى المستوى الاجتماعي، ارتبط مقام أبي ذر بعادات وطقوس محلية؛ إذ كان الأهالي يتوافدون إليه في المناسبات الدينية، يحيون لقاءات جماعية يتبادلون خلالها القصص عن حياة الصحابي، ويقيمون ولائم شعبية لأهل المنطقة قوامها “البرغل” والعدس”. هكذا صار المكان فضاءً للزيارة والتعارف واستذكار القيم التي جسّدها أبو ذر في حياته.
المقام نفسه يتألف من غرفتين بسيطتين على ربوة عالية، تحيط به أشجار معمّرة. لكنه، كغيره من المعالم، لم يسلم من الإهمال والتخريب. ومع الوضع الأمني المعقد وسيطرة قوات الاحتلال على أجزاء من طرنجة وتحويلها إلى منطقة عسكرية في أوقات متفرقة، يصعب الوصول إلى الموقع أو ترميمه، لتظل حالته الراهنة غير واضحة المعالم.
ورغم ما طرأ من تغييرات وصعوبات، يبقى مقام أبي ذر الغفاري في طرنجة أكثر من معلم أثري. إنه شاهد على الذاكرة الجمعية، ورمز لصلة أهل الجولان بأرضهم وتراثهم. فالمكان، بما يحمله من عبق الطبيعة وروح التاريخ، يذكّر بأن التراث ليس حجارةً فقط، بل حياة متواصلة تُورث جيلاً بعد جيل.
- محمد الضاهر






