انفوغراف تل المانع خاص مؤسسة جولان

ليل 27–28 آب أغسطس 2025 شهد محور الكسوة – جبل”تلّ المانع”  الحرجلة جنوب دمشق تصعيداً لافتاً تمثّل في ضرباتٍ متكرّرة قُدّرت بأنها موجتان خلال أربعٍ وعشرين ساعة، أعقبتهما عملية برّية محدودة النطاق. مصادر سوريّة رسمية وشبه رسمية، وأخرى عبريّة، تحدّثت عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف الجيش السوري، مع تباين الأرقام بين ستةٍ وثمانية قتلى، فيما أكّد وزير الدفاع الإسرائيلي استمرار العمليات “حيث يلزم لأمن إسرائيل” مع امتناع الجيش عن التعليق التفصيلي. هذه المعطيات تضعنا أمام مشهد عملياتي يُركّز على تعطيل مرابض وقدرات رصدٍ قرب العاصمة، مع تقطيع زمني للضرب (دفعات متباعدة) بدل السقف الناري المتواصل، بغرض استنزاف “دورة التعافي” لدى الوحدات المستهدفة.

أهمية الكسوة لا تنبع من قربها الجغرافي فحسب، بل من كونها عقدة عسكرية لوجستية متّصلة بمحور جبل “تلّ المانع” الذي تعرّض مراراً لضرباتٍ خلال السنوات الماضية، مع سوابق عن تمركزات مرتبطة بحلفاء إيران في تلك المنطقة. في هذا السياق، يُفهم الإصرار على طرق هذه الحلقة عند كل تصعيد جنوبي. بالتوازي، يكتسب محور غباغِب (شمال درعا على امتداد الـM5) وزنًا تشغيليًا باعتباره رأس جسر اتصال بين جنوب العاصمة والمنطقتين السهلية والجبلية في حوران؛ وعليه، فإن تفريغ عقدة الكسوة “المانع” يُضعف تلقائياً هذا الشريان لشطر الجنوب.

إقرأ أيضاً: غارات إسرائيلية على ريف دمشق وتوغلات في القنيطرة

خلال الساعات نفسها، نقلت منصّات عبريّة وعربيّة تقارير عن هبوط و تحليق مروحيات إسرائيلية في محافظة السويداء، بعضها حدّد العدد بأربع مروحيات وربط التحركات بمسرح الكسوة. لم يصدر تأكيدٌ إسرائيلي رسميٌ لتفاصيل الهبوط، غير أن تواتر النقل عبر منصات رئيسية، إلى جانب تقارير عن غارة إنزال لمدّة قاربت ساعتين في منشأة عسكرية بمنطقة الكسوة، يمنح الرواية وزناً إخبارياً يستوجب الرصد الحذر بوصفها تقارير غير مؤكدة رسمياً.

أما على مستوى الأهداف والتشكيلات المستهدفة، فقد أشارت مصادر رصدٍ حقوقية وإعلامية إلى أن الضربات طالت مبنى موقعاً يتبع الفرقة 44 في محيط الكسوة، وأن بعض الخسائر سُجّل بين عناصرها، مع ذكرٍ لاستهداف فرق إنقاذٍ هرعت إلى موقع الضربة الأولى. هذا التحديد يتقاطع مع قراءةٍ أشمل لهدف العملية: تفكيك القدرة النظامية جنوب العاصمة عبر ضرب مواقع القيادة والسيطرة والرادارات وسائل الرصد، وقطع محور الاستناد الذي يربط العاصمة بعمق الجنوب.

أسلوب النار هنا جدير بالتوقّف: ليس في كثافة الضربة الواحدة بقدر ما هو في انقطاعها وتكرارها؛ أي ضرب ثم مهلة قصيرة تسمح ببدء الترميم والإنقاذ، يليها ضربٌ جديد لتعطيل إجراءات التعافي. هذا النمط سُجّل إعلاميًا حول الكسوة خلال يومٍ واحد، ويتسق مع مقاربة “الإزعاج المستمر” لإبقاء الخصم في حالة تعافٍ ناقص.

وبينما يُرجّح محللون شكل التشكيل الجوي (مروحيات نقل إسناد مع مرافقة هجومية)، تبقى هذه قراءة مرجعية في ضوء سجل تسليح سلاح الجو الإسرائيلي، لا تأكيدًا عمّا حلّق فعليًا فوق السويداء/الكسوة تلك الليلة. المهم عملياتياً هو وظيفة هذا التشكيل: تبديل وحدات، نقل حمولة خفيفة، أو إسناد قوة برية محدودة المدى ضمن “نوافذ نارية” فُتحت على محاور الكسوة.

إقرأ أيضاً: قيادات في السويداء تعرقل فتح طريق دمشق السويداء

انطلاقاً من ذلك، يمكن تلخيص التقييم العملياتي كالآتي: التمسّك بالتموضع الحالي للجيش السوري جنوب العاصمة سيكون مُكلفاً إنسانياً ويُفقِد هذه القوات مرونتها تدريجياً، ما يرفع كلفة الدفاع الثابت مقارنةً بالدفاع المرن القابل لإعادة التمركز السريع. خطورة الضربات تكمن في إيقاعها أكثر من كتلتها: سلسلة دفعات قصيرة تُبقي البنية تحت ضغطٍ دائم وتمنع تثبيت إجراءات التمويه والإنقاذ.

يرى خبراء عسكريون أن:
• إعادة توزيع القوى النظامية في الجنوب ضرورة لتقليل قابلية الاصطياد في العقد النارية الثابتة.
• تطعيم التشكيلات بوحدات خاصة قادرة على: التخفي، المناورة، والمراوحة في المكان عند الضرورة — بما يحفظ بصمةً منخفضة بين ضربتين.
• تأسيس فرقة متخصصة بعمليات السَّطع البري والمسيّر قادرة على الاستطلاع النشط والاشتباك التصادفي والاشتباك من الحركة، لخلق فجواتٍ زمنية مضادّة في حلقة الاستهداف المعادية.

هذه النقاط تُطرح على سبيل تحليلٍ صحفي استراتيجي وليست تعليمات عملياتية، وتستند إلى ما أظهرته الضربات الأخيرة من سعيٍ إلى تعطيلٍ متكررٍ لمفاصل القوة جنوب العاصمة، مع احتمال تكرار أفعال مركّبة (تمهيد ناري يتبعه نشاط بري محدود) ضد عقد القيادة/السيطرة والمخازن الحساسة.

في الخلاصة، ما جرى على محاور الكسوة “جبل المانع” خلال 27–28 آب/أغسطس يُمثّل تصعيداً مُحسوباً يركّز على شلّ قدرة التموضع وإدامة الضغط عبر التقطيع الزمني للنار، مع إشاراتٍ إلى نافذة عملٍ برّيٍ قصيرة عزّزت تأثير الضربات.

تثبيت هذا النهج سيعني – إن استمر – إعادة رسم قواعد الاشتباك جنوب دمشق لصالح إبقاء الخصم في حالة استجابة متأخرة، ما لم تُجرَ تعديلات بنيوية على طريقة انتشار القوات وتمويهها وإعادة تموضعها.

مصادر: أسوشيتد برس – تايمز – رويترز
تقاطع معلومات تحليلية: محمود إبراهيم

  • محمد الضاهر

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top