مدخل مدينة السويداء الغربي

خرج علينا الشيخ حكمت الهجري في فيديو محتفياً بانضمام فصيل جديد إلى جيشه الناشئ تحت مسمى الحرس الوطني، والذي ضم في صفوفه عدداً من الميليشيات المحلية التي يتزعمها عدد من المطلوبين بجرائم المخدرات وجرائم بحق الشعب السوري عندما كانوا ضباطاً في صفوف جيش النظام البائد.

في الشكل بدا الهجري مرتبكاً يحاول انتقاء كلماته وتوصيفاته بحيث يُرضي الغوغاء والدهماء المجتمعين من حوله، لكنه فشل في كثير من الأحيان وكأنما الحدث باغته على عجل فلم يُهيّئ له الخطاب. كانت يده مرتعشة ونظرات عينيه تائهة، حاول أن يبدو قوياً ممسكاً بزمام الأمور لكنه فشل في تحقيق هذه المعادلة، فجاء خطابه الارتجالي ليفصح أكثر عما يخفيه الرجل، برغم محاولات الحضور تقديم كلمات الدعم، والتي كانت بدورها باردة على غير العادة، ما أوحى أن ما جرى لم يكن بكامل رضاه أو وفق شروطه بل إملاء من المشغّلين.

في المضمون، رحّب الهجري بانضمام فصيل حركة رجال الكرامة الذي شهد في اليوم السابق انقلاباً على قائده السابق الحجار لصالح قائده الجديد الخداج. هذا الانقلاب حمل معه تغيّرات في موقف الحركة التي كانت أقرب للحوار مع حكومة دمشق، لكنها اليوم انضمت إلى الجهد الانفصالي الذي يقوده الهجري بتعليمات إسرائيلية نتيجة لضغوط كبرى مارستها الرئاسة الروحية عبر أساليب التكفير والتخوين وتحريض الحاضنة الشعبية.

أعاد الهجري إطلاق مسمّياته الخاصة عبر وصف محيط السويداء بالهمج، واتهام الحكومة بأنها حكومة “داعشية” حاولت غزو مناطق الدروز بغرض الإبادة الجماعية وفق أجندة مسبقة قائمة على عقيدة الجهاد، دون ذكر السياق الحقيقي للأحداث ودون الإشارة إلى المحاولات التي استمرت لأشهر للوصول إلى حلول كان يرفضها الهجري بشكل دائم، رغم أنها كانت شروطه منذ البداية.

في المحور الثالث لكلمته، أكّد الهجري على المطالبة بإقليم مستقل للدروز في الجنوب. هذا التعبير يُظهر حالة الضياع وعدم الفهم السياسي والقانوني لدى الهجري ومستشاريه؛ فمن فدرالية إلى إدارة مدنية إلى دولة مستقلة وصولاً إلى إقليم مستقل. حيث إن كلمة “إقليم” لا تشمل بتعريفها الجيوسياسي محافظة السويداء وحدها، فكلمة إقليم تُطلق على جنوب سوريا كاملاً بما يشمله من محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة بالإضافة إلى الأجزاء الجنوبية من محافظة ريف دمشق، وهذه المنطقة يشكّل الدروز فيها أقلية لا تتجاوز الـ 25% من مجموع سكانها. لينتقل بعدها إلى التأكيد أن العمل على تنظيم الأمور يسير على قدم وساق في كافة المجالات.

يحاول الهجري رفع السقف بشكل غير منطقي، مستبقاً أي اتفاقات أمنية قادمة بين سوريا وإسرائيل، فهو يعلم يقيناً أن مطالبه لا يمكن قبولها، بل هي أصلاً غير ممكنة سياسياً واقتصادياً وبشرياً. لكنه يستند إلى تحالفات وثيقة بين دروز إسرائيل وكيانات يمينية متطرفة داخل الجسم السياسي الإسرائيلي، وهذه التحالفات يقودها موفق طريف، والذي أوحى له أن اليمين المتطرف قادر على فعل المستحيل، وهو ما شكّل قناعة لدى الهجري أن هؤلاء سيمضون معه إلى النهاية. فرفع سقفه مراهناً عليهم دون النظر أو الاعتبار للإشكالات الداخلية في إسرائيل، والتي تهدد تحالف السلطة هناك القائم أصلاً على هذا اليمين المتطرف، إذ يحاول مسابقة الوقت قبل سقوط هذا التحالف لنيل مآربه.

في الحقيقة لا يريد الهجري دولة مستقلة، فهو يعلم يقيناً أنها غير قابلة للحياة. كل ما يطمع به هو منطقة نفوذ له ولابنه بعيداً عن سلطة الدولة ليمنح نفسه مكانة سياسية في البلاد وقيمة تضخّم حجمه تعوّض النقص في الموارد البشرية والاقتصادية في المحافظة، وبالتالي ابتزاز الدولة لتصرف على مناطق سيطرته دون مساهمة منه في اقتصاد البلاد. والمحافظة في ذات الإطار على وعوده لتجار المخدرات في المحافظة أن يحمي تجارتهم من خلال حمايتها من يد القانون في جيبه المنعزل مقابل حصة من هذه التجارة، بالإضافة لتعهداته لفلول النظام البائد من الضباط بحمايتهم من المحاسبة عن جرائمهم بحق الشعب السوري مقابل قيادتهم لجيشه الجديد كمرتزقة.

في المقابل، تسعى إسرائيل لإدامة حالة الهجري كورقة ضغط دائمة على حكومة دمشق، وكذراع ميدانية لها تستطيع التلويح بها. كما تريد أن تُبقي حالة الاستقطاب الطائفي في أقصى درجاتها في سوريا لتشكيل كيانات طائفية سورية منعزلة عن دمشق ترى بأن إسرائيل هي من تحمي أقليات الشرق الأوسط، لكن دون أي التزامات اقتصادية تجاهها. وبالتالي تريد “ركوب الحمار دون إطعامه”، ما يشكّل انتصاراً كبيراً لها.

شعبياً، هناك تيار جارف من التأييد للهجري في السويداء نتيجة لعوامل عاطفية فرضتها نتائج المعارك التي شهدت تجاوزات كبرى بحق الدروز، رداً على تجاوزاتهم بحق العشائر العربية في السويداء وبحق عناصر الأمن العام الذين غدر بهم الهجري. لكن هناك عوامل أخرى للتأييد، من الخوف من حملة السلاح والخطاب الشعبوي التكفيري، ناهيك عن التهويل بالأخطار المحدقة الوهمية. كذلك مارس الهجري سياسة مدروسة لتجويع أهل الجبل من خلال منع المساعدات أو فرض شروط عليها أو إساءة عمليات التوزيع وسرقة المساعدات بهدف تشكيل مظلومية درزية تتسق مع السردية التي يطرحها الهجري عن حصار وعن إبادة غير موجودة في الحقيقة.

تبقى أزمة السويداء مشتعلة بانتظار الاتفاق الأمني بين الحكومة السورية وإسرائيل، هذه الأزمة التي يمكن لها أن تنفجر في أي وقت حال تعثّر المفاوضات، كونها قائمة أصلاً على مصالح إسرائيل لا على مصالح ورغبات أهل الجبل. لكن هناك عامل يتشكّل بشكل متسارع في السويداء، وهو الأغلبية الوطنية التي صمتت خلال الفترة السابقة نتيجة للعوامل العاطفية الضيقة أو لعامل الترهيب والتكفير.. هذه الغالبية ستظهر في الوقت المناسب لوضع حد لمغامرة الهجري وأحلام ابنه ومصالح تجار المخدرات وفلول النظام البائد، وتعيد جبل العرب إلى مكانه ومكانته الطبيعية كجزء أصيل من سوريا.

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top