في فجر يوم الأربعاء 22 آب/أغسطس 2012، لم يكن حي نهر عيشة في دمشق يعلم أن صباحه سيُسجَّل كواحد من أكثر الأيام دموية.
الحي الذي كان من أوائل الأحياء في العاصمة التي خرجت تطالب بالحرية والكرامة، تعرّض لحملة عسكرية شرسة قادها العميد أسامة زهر الدين، المنحدر من محافظة السويداء، والرائد جمال مهنا، المنحدر من الساحل السوري، بدعم من ميليشيات إيرانية وعناصر من حزب الله.
اقتحمت الميليشيات الحي، وبدأت بحملة اعتقالات واسعة استهدفت شبان المظاهرات السلمية. ولم يطل الأمر حتى تحوّلت الاعتقالات إلى إعدامات ميدانية؛ عشرات الشبان قُيّدوا من الخلف داخل منزل، ثم أُعدموا رمياً بالرصاص، قبل أن تُحرق جثثهم.
لم تكتفِ هذه الميليشيات بذلك، بل عمدت إلى حرق غالبية منازل الحي، منها منزل السيد علي الموسى أبو حسين الذي أُحرق بالكامل قبل أن يُهدم لاحقاً بعد شهر، وكذلك منزل عائلة السوخطة الذي أُحرق بعد قتل ستة من أفرادها وحرقهم، ثم قصفه بالدبابات.
بهذه الحملة الوحشية اعتُقل ما يقارب 90 شخصاً من أبناء الحي، بينهم 22 شخصاً من عائلتي وأقاربي مباشرة. كلهم استُشهدوا في فرع المنطقة بدمشق والفرع 248. وما زالت قبورهم مجهولة حتى اليوم، كما هو حال آلاف الشهداء الذين غيّبهم نظام الأسد المجرم في أقبية الموت.
بعض من أسماء شهداء الإعدام الميداني:
-
عدنان علي الموسى
-
علاء الدين الشعار
-
حسين فندي حسين
-
محمد حاجو بكر
-
محمد سوخطة
-
طالب طيح
كنتُ شخصياً شاهداً على هذه المجزرة. كنتُ أول من وصل إلى مكان الإعدامات بعد انسحاب القوات، ورأيت بأم عيني الجثث المحترقة. حملتها بيدي، وساعدت مع من تبقّى من أهالي الحي على دفنها في مقبرة الشهداء، التي ما تزال حتى اليوم شاهدة على الجريمة.
لاحقاً، فُتح تحقيق أمام الشرطة الفيدرالية الألمانية وقدّمت شهادتي بشكل رسمي لتوثيق هذه الجريمة، إيماناً مني بأن دماء الشهداء لا يجوز أن تُنسى، وأن العدالة، وإن تأخرت، ستظل مطلباً لا يسقط.
إلى الذين رحلوا في ذلك الفجر الدامي…
أكتب اليوم لا لأحكي للعالم ما جرى فقط، بل لأقول لكم إن دماءكم ما زالت تنبض فينا، وإن أسماءكم لم تُمحَ من ذاكرتنا. كنتُ بينكم في لحظاتكم الأخيرة، وحملت جثامينكم بيدي، ودفنتكم بقلبي قبل أن أدفنكم في التراب. أعلم أن الظالمين ما زالوا أحياء، لكني مؤمن أن يوم العدالة سيأتي، وسيُعرف حينها أنكم لم تذهبوا سدى.
رحمكم الله عز وجل، وسلامٌ لروحكم ولأجسادكم الطاهرة التي عانقت الأرض، ولصوتكم الذي سيبقى يصرخ فينا: الحرية أغلى من الحياة.