أطفال في ريف القنيطرة خاص

رغم ما تحمله من رمزية وطنية لكونها خط التماس المباشر مع الجولان السوري المحتل، ما زالت محافظة القنيطرة تعيش حالة من التهميش الممنهج، وكأنها خارج الجغرافيا السياسية والاقتصادية لسوريا. فمنذ سنوات، يشتكي سكانها من غياب الخدمات الأساسية، وغياب المشاريع التنموية، مقابل تصاعد التوترات العسكرية على حدودها.

القنيطرة، التي تعرّضت لدمار واسع منذ حرب عام 1967، لم تحظَ بأي خطة جدية لإعادة إعمارها أو إعادة تأهيل بنيتها التحتية. وعلى الرغم من الوعود الحكومية المتكررة، ظلّت المدينة المدمّرة شاهداً على عقود من الإهمال، بينما تحوّلت قرى وبلدات المحافظة إلى مناطق شبه منسية، تعيش على هامش السياسات المركزية في دمشق.

اليوم، يواجه الأهالي واقعاً معقداً، إذ تتكرر أزمات المياه والكهرباء والاتصالات، فيما تغيب فرص العمل والاستثمار بشكل شبه كامل. شباب القنيطرة يجدون أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما: الهجرة نحو المدن الكبرى بحثاً عن مستقبل أفضل، أو البقاء في منطقة بلا أفق اقتصادي أو اجتماعي.

إحدى أبرز الأزمات التي يرويها السكان هي شح المياه، حيث يعتمد الكثيرون على الصهاريج الخاصة بأسعار مرتفعة، بعد أن تعطلت شبكات الضخ أو تضررت بفعل العمليات العسكرية المتكررة. أما المستشفيات والمدارس، فهي تعمل بقدرة محدودة، ما يترك الأهالي أمام خدمات تعليمية وصحية متواضعة لا تتناسب مع أبسط الاحتياجات.

ضمن هذه الصورة القاتمة، يبرز وضع تجمعات أبناء الجولان النازحين التي أقيمت منذ عقود، مثل تجمعات ريف دمشق الجنوبي وريف دمشق الغربي ومدينة دمشق والغوطة الشرقية بالإضافة إلى محافظة درعا. هذه التجمعات أُنشئت لإيواء عشرات آلاف النازحين من قرى الجولان بعد احتلاله عام 1967، لكنها تحولت مع مرور الزمن إلى مناطق مهمّشة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.

سكان هذه التجمعات يصفون أنفسهم بأنهم “نازحون في وطنهم”، إذ يعيشون بين واقع اللجوء وغياب الاعتراف الكامل بحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية. كثير منهم يعانون من البطالة وغياب شبكات الصرف الصحي والمياه النظيفة، إضافة إلى مدارس مكتظة ومراكز صحية متواضعة.

ومع اندلاع الثورة السورية وما تبعها من تدهور عام في الأوضاع المعيشية، ازدادت معاناة هؤلاء النازحين، حيث باتوا مهدّدين بالفقر والعزلة أكثر من أي وقت مضى.

إلى جانب الأزمة الخدمية، يشعر أبناء القنيطرة والنازحون من الجولان بأن قضيتهم مغيّبة عن القرارات السياسية والإدارية. فالتغييرات التي تطال المناصب الرسمية غالباً ما تكون شكلية، دون أن تترجم إلى مشاريع ملموسة على الأرض. ويرى ناشطون محليون أن تعيين المحافظين لا يتجاوز كونه إجراءً بروتوكولياً، بينما تستمر معاناة الأهالي والنازحين على حالها.

هذا الواقع عمّق الفجوة بين السكان والدولة، وخلق حالة من الإحباط واللامبالاة السياسية، خصوصاً في ظل غياب أصوات حقيقية تمثل مطالب الأهالي على المستويين الوطني والدولي.

ما يزيد الوضع تعقيداً أن القنيطرة تقع على تماس مباشر مع الكيان المحتل، ما يجعلها عرضة للتوغلات العسكرية والتهديدات المستمرة. لكن، بدل أن تكون هذه الجبهة سبباً لزيادة الاهتمام بها، تحوّلت المحافظة إلى هامش مزدوج: هامش خارجي بفعل الاحتلال، وهامش داخلي بفعل الإهمال الحكومي.

في الآونة الأخيرة، علت أصوات من داخل القنيطرة وتجمعات الجولان تطالب بإنصاف المحافظة، سواء عبر خطط إنعاش اقتصادية، أو عبر إعادة إعمار المناطق المدمرة، أو حتى عبر توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية. لكن هذه المطالب بقيت في إطار البيانات والاحتجاجات المحدودة، دون استجابة فعلية من الحكومة.

اليوم، تبدو القنيطرة أمام مفترق طرق صعب: فإما أن تبقى محافظة منسية تعيش على الهامش، أو أن تتحول إلى نموذج لإعادة الاعتبار لمناطق الريف السوري التي دفعت أثمان الحروب والسياسات المركزية معاً. لكن ما لم يحدث تغيير جذري في التعامل مع قضيتها، سيظل سكانها وأبناء الجولان عالقين بين ذاكرة الحرب، وواقع الإهمال، ومستقبل بلا ملامح.

  • عمر الهاروني

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top