الوزير الشيباني

الدبلوماسية السورية تفتح صفحة جديدة.. ربما السياسة تمشي عكس قوانين الرياضيات، فإن أقرب مسافة بين نقطتين هي المسافة الأقل ضرراً وليست الأقصر طولاً، فالسياسة كما يقال هي فن الممكن، وهذا ما حصل فعلاً بلقاء باريس بين وزير الخارجية السوري والوزير الإسرائيلي بوساطة وحضور أمريكي كما جرت العادة. فسورية وإسرائيل يعيشان حالة لا حرب ولا سلم بين الطرفين، وتسعى الدبلوماسية السورية لتثبيت اتفاق فضّ الاشتباك لعام ١٩٧٤م وإيقاف التوغل الصهيوني ما بعد الخط “ج” وإحداث فوضى ورعب للفلاحين والمزارعين، مستغلة خروج سورية من حرب دمّرت جيشها بالكامل، وكذلك لإيقاف دعم الصهاينة للميليشيات المتمردة في السويداء.

فالشعب السوري اليوم منهمك، وليس بمقدوره فتح جبهة خارجية، بل سياسة “صفر مشاكل” هي نهج حكومته منذ الأيام الأولى للعهد الجديد.

وتعقيباً على بعض الأقلام المزعوجة من انتصار الثورة السورية، فإنه عندما تكون الحكومة تمثل شعبها فإنها تعمل كل شيء تحت الشمس وعلى الطاولة، دون الحاجة للتضليل والخداع والكذب، لأن الحكومة والشعب يكملان بعضهما، وهذا ما حصل بلقاء باريس بوساطة أمريكية، فقد اضطرت الدبلوماسية السورية للجلوس مع أشد أعداء سورية لأن الصهاينة لهم عملاء في الداخل يمدونهم بالسلاح والطيران، فالجلوس مع المشغّل والسيد أكثر فائدة ومنفعة من الجلوس مع الأجير والخادم.

وللتنويه، فإنه في محادثات شفرستاون بين الجانب السوري والصهيوني جلس وزير خارجيتها حينها مع نظيره “إيهود باراك” الوزير الصهيوني على طاولة واحدة وبحضور أمريكي. ولكن الفارق بين الاثنين أن نظام الأسد باع الجولان وبقي حارساً أميناً للصهاينة ويمارس الحرب على شعبه ويضطهده تحت شعار العداء للصهاينة واتهام معارضيه بالعمالة لهم. وقد كان على علم أن أي سلام مع الصهاينة سيسقطه لأنه يفقد شرعيته أمام شعبه، لذلك حرصت إسرائيل على عدم عقد أي اتفاقية سلام معه، لأن إسرائيل تريد النتيجة ولا يهمها الاتفاقيات الورقية.

بينما نظام العهد الجديد يسعى لترميم ما فعله النظام الساقط طوال نصف قرن، وتحاول إسرائيل إيجاد بديل عنه في الجنوب، ولكن هيهات، فطموحاتها كلها تكسرت منذ أن حاولت الاقتراب من مدينة نوى بدرعا، علاوة على رفض الثوار شكرها في أعز لحظات ضعف الثورة عندما تم فتح مشفى ميداني في الجولان وعلاج بعض الجرحى بسبب إغلاق الحدود مع دمشق والأردن.

واللقاء مع الأعداء طبيعي حتى في لحظات الحرب، ولكن تختلف الغايات. ومن حيث اتفاقيات السلام مع الصهاينة فإن من يقرر ذلك مجلس الشعب كما صرحت الحكومة، وسيبقى الشعب السوري كارهاً للصهاينة كحال الشعب الأردني والمصري، وسيسقط العملاء في الداخل وتنهض سورية من جديد.

فلا أحد يزاود على الوطنية والشرف، وخاصة من يمجد “محور المقاومة” الإيراني الذي قتل وهجّر ملايين العرب خدمة للصهاينة، ولولاهم لما اضطررنا للأسوأ، فالعدو الواضح أقل ضرراً من العدو الرمادي.

لقد صمد شعبنا قرابة عقد ونصف أمام وجه العالم، وتحمل التهجير والقتل حتى انتزع حريته بيده ودمه ولم يتنازل عن حقه قيد أنملة، فكيف به أن يتنازل اليوم؟ فهل من عاقل يصدق هؤلاء!؟

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top