صورة تعبيرية ، دوار المشنقة وسط محافظة السويداء

في كل مرة تهتز فيها السويداء على وقع اشتباك دموي أو سرقة جديدة أو اختطاف، تخرج علينا مجموعات من الشبان لأداء “الجوفية” وكأنهم انتصروا!

فـ”الجوفية” التي كانت يوماً رمزاً لساحات الكرامة، تحوّلت اليوم إلى طقس دعائي لتجميل واقع مأساوي، وللتغطية على سلسلة من الانهيارات الأخلاقية والسياسية والاجتماعية التي تنهش السويداء بلا رحمة.

ما يحدث اليوم ليس إلا انهياراً موصوفاً، السويداء مختطفة من قبل خليط خطير: فلول نظام الأسد، مهرّبو المخدرات، مليشيات حزب الله، و”نسور الزوبعة”.

الواقع أكثر قسوة مما يُتخيل:

المساعدات الإنسانية التي تُرسل إلى المحافظة تُنهب بشكل منظم على يد ما يُسمى بـ”المجلس العسكري” والمليشيات المسلحة التي تجوب الشوارع كما تشاء وتفرض سطوتها على كل مفصل من مفاصل الحياة.

وما لا يُنهب يُوزع على أساس الولاء والانتماء، لا على أساس الحاجة أو الاستحقاق.

سرقات البنوك ونهب رواتب الموظفين ومنعهم من مغادرة المحافظة لاستلام معاشاتهم، كلّها تحوّلت إلى مشاهد اعتيادية لا تثير غضباً بل صمتاً وخوفاً.

الخطف أداة يومية وتصفية الحسابات تجري تحت رايات “الثأر” و”الدفاع عن الأرض”، في حين يُتهم كل مخالف أو معترض بالخيانة ويُوصم بـ”قوّاد”.

تم اغتيال العديد من معارضي المجموعات المسلحة والمجلس العسكري ومن يدور في فلكهم، في رسائل دموية واضحة: لا مكان للصوت الحر.

السويداء اليوم نقطة انطلاق مركزية لتهريب المخدرات باتجاه الأردن.
من يُموّل؟ من يُغطّي؟ من يحمي؟
الكل يعرف الإجابات، لكن الجميع يلوذ بالصمت.

أما “اتفاق التهدئة”، فليس سوى ستار دخاني، يُخترق متى شاؤوا ويُستخدم كأداة ضغط متى أرادوا، وفي الخلفية يُحتجز المدنيون داخل مناطق النزاع، وتُمنع عائلات بأكملها من الخروج فقط لأن المليشيات قررت أنها “الشرعية”.

وكل هذا يتم تحت عين إسرائيل، التي لا تُخفي رضاها عن هذا التفكك، ولا تخفي علاقاتها المتزايدة مع وكلاء الداخل، طالما أن الجنوب السوري مفكك، فالتدخل مشروع والسكوت مُبرَّر.

نعم، السويداء ليست بخير.

وما يُقدَّم على أنه “نصر” ليس إلا وهماً يُباع للناس بالتطبيل والجوفية والسلاح المرفوع، بينما تُداس الكرامة وتُشوَّه الهوية ويُباع المستقبل في سوق المرتزقة والوكلاء.

السويداء تحتاج أكثر من العروض الصوتية والشعارات الفارغة.
تحتاج مشروعاً وطنياً صادقاً يعيد لها كرامتها واستقلال قرارها، بعيداً عن المافيات والارتباطات الخارجية وأمراء الدم والمخدرات.

فـ”الجوفية” لا تصنع نصراً ولا تُسكت جوعاً ولا تحرر أرضاً.

  • محمد قنو

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top