يعدّ النقد من أهم العوامل الرئيسة في إنجاح أي فكرة أو مشروع أو مؤسسة أو حتى دولة، فهو بمثابة المرآة التي ترى من خلالها الشعوب أخطاءها وتتمكن من تصويبها.
وقد أنشأ البشر للنقد علوماً عبر التاريخ، وطوّروها إسهاماً في بناء المجتمعات والحضارات. ومن هنا، تفرعت علوم النقد إلى أنواع متعددة، منها النقد الفني الذي يمثله المسرح والسينما والفنون التشكيلية، والنقد الأدبي الذي يمثله الشعر والنثر والروايات والمقالات الفلسفية النقدية، وغيرها.
هذه الأنواع مجتمعةً أنتجت العديد من الأعمال التي أسهمت في تطوير الأبحاث العلمية ومحاربة الفساد، إلى جانب تحريك الشارع في مواجهة الاستبداد والاستغلال.
لكن يبقى السؤال: هل يحمل النقد في طياته جوانب سلبية أحياناً؟ وهل يمكن أن يتحول إلى معول هدم بدلاً من أداة بناء؟
الحقيقة أن النقد، مثل الدواء، نافع إذا استُخدم بشكل صحيح، وضار إذا أسيء استعماله أو تم توظيفه بجهل أو بغرض الأذى. فهناك من يجعل من نقده هجوماً شخصياً لتصفية الحسابات تحت غطاء “النقد”، وهناك من يوجه نقداً سلبياً دون اقتراح حلول أو مراعاة للسياق والظروف.
الحالة السورية: بين نقد مشروع وهدم مقنّع
انقسم ناقدو الإدارة الجديدة في سوريا إلى فئات متعددة، كل منها ــ مع الأسف ــ يخوّن الآخر، متجاهلين الواقع الاقتصادي القاسي الذي يرزح تحته أبناء البلاد، وما خلّفته الحرب من معاناة يومية وتحديات معيشية.
من بين هذه الفئات، هناك من يبالغ في انتقاد الحكومة في كل صغيرة وكبيرة، سواء كانت خطواتها إيجابية أو سلبية، حتى بدا أن هدفه الخفي هو إسقاط الإدارة الجديدة وتأليب الرأي العام ضدها. هذه الفئة متنوعة المكونات، وتضم أصواتاً من اليسار والتيارات العلمانية، فضلاً عن منطلقات طائفية أو أيديولوجية أو عرقية.
كما توجد فئة لم تحصل على أي مناصب في الإدارة الجديدة، فانبرت للهجوم على الحكومة وتسليط الضوء على أخطائها بدوافع شخصية، متناسية التحديات التي تواجهها البلاد في هذه المرحلة الحساسة.
إلى جانب ذلك، هناك شريحة مجتمعية “متذمرة” بطبيعتها، تطالب بجميع الخدمات دفعة واحدة، وتتوقع تحول البلاد إلى نموذج أوروبي متكامل في أشهر قليلة، متسخطين على أي خطأ، مطالبين بمدينة فاضلة لا يسكنها سوى الملائكة، وهي فئة “إن أعطيتها درهماً سألتك عن الدينار”.
وفي المقابل، لا يمكن إغفال الفئة التي تنتقد الحكومة بدافع الحرص على تصويب المسار، ومنعها من الوقوع في المزيد من الزلات، حتى وإن بدت لهجتها قاسية أحياناً، فإن دوافعها في الغالب تنبع من الشعور بالمسؤولية والغيرة على المصلحة العامة.
بروتوكول الطوارئ: ضرورة لا ترف
تلجأ العديد من الدول حول العالم إلى بروتوكولات خاصة في أوقات الطوارئ والحروب، يتم من خلالها تقييد عمل وسائل الإعلام، وتقليص جزئي لصلاحيات المجالس النيابية بهدف تسريع الاستجابة للمخاطر. وتفعل بموجب هذه البروتوكولات قوانين تمنح الحكومات سلطات استثنائية أوسع، خاصة في الأوقات الحرجة التي يكون فيها أمن الدولة واستقرارها على المحك.
ومن أبرز هذه الدول الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا، رغم اختلاف نظمها السياسية.
والمقصود هنا أن سوريا تمر بمرحلة شديدة الحساسية، تواجه فيها تحديات أمنية تهدد وحدتها ووجودها، ومع ذلك لم تتخذ الحكومة أي إجراء أمني يقيد الحريات، تجنباً لسوء فهم نواياها، خصوصاً أنها حكومة جديدة جاءت بعد ثورة شعبية على حقبة مريرة من الاستبداد الذي كمم الأفواه لأكثر من نصف قرن.
المحكمة العقلية
عزيزي السوري، أيها القارئ والمتابع للمشهد، أوصيك بالتفكير العميق في كل قضية تحيطها أصوات نقدية، وبأن تشكل لنفسك “محكمة عقلية” تستطيع من خلالها التمييز بين النقد البنّاء الهادف، والنقد الهدّام السلبي.
عليك أن تدرك إلى أي فئة ينتمي الناقد، وما الذي يهدف إليه من خلال نقده، فليس الوقت مناسباً لتكرار تجارب مصر أو ليبيا، حيث أدى النقد الحاد والتصعيد المستمر إلى تعقيد الأزمات، بدلاً من المساهمة في حلها، وإلى إضاعة فرص الاتفاق على حلول مبدئية تقود الوطن إلى بر الأمان.
- فاروق الرفاعي