في زيارة مفاجئة وغير معلنة مسبقاً، وصل وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، اليوم الخميس إلى العاصمة السورية دمشق، وسط ترقّب إقليمي متزايد وتحولات سياسية حساسة تشهدها البلاد منذ سقوط نظام بشار الأسد قبل ثمانية أشهر.
وقد استقبله وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني فور وصوله، قبل أن يجتمع مع الرئيس السوري أحمد الشرع لبحث الملفات المشتركة بين البلدين، وتأتي هذه الزيارة كامتداد للحراك السياسي المتصاعد بين أنقرة ودمشق، والذي بات يتجاوز البروتوكولات الدبلوماسية التقليدية، ويُبنى على أرضية من التنسيق الأمني والسياسي المتقدّم.
ووفقاً لما نقلته وكالة الأناضول التركية، تتركّز المناقشات بين فيدان والشرع حول التقدم في العلاقات الثنائية، وعلى رأسها اتفاق العاشر من آذار بين قائد “قسد” مظلوم عبدي والرئاسة السورية، وهو اتفاق لا يزال مثار جدل داخلي وإقليمي، ويُرجّح أن يشكل محوراً أساسياً في المباحثات المغلقة.
ويكتسب الملف الاقتصادي أهمية متزايدة في الزيارة، إذ يبحث الجانبان سبل تعزيز التعاون في قطاعات الطاقة، والبنية التحتية، وإعادة الإعمار، وتأتي زيارة فيدان بعد توقيع مذكرات تفاهم لمشاريع قطرية كبرى داخل الأراضي السورية، وسط إشادة من المبعوث الأميركي توم براك بالموقع الاستراتيجي لسوريا، والدور المتنامي للشركات التركية في المنطقة، خاصة تلك المقربة من الرئيس رجب طيب أردوغان.
أما على الصعيد الأمني فقد عبّر حزب العدالة والتنمية التركي ولأول مرة عن رفضه القاطع لفتح ممر يربط مناطق “قسد” بمدينة السويداء، اللافت أن هذا الموقف التركي سبق أي تصريح مماثل من دمشق، ما يعكس حاجة البلدين إلى تنسيق ميداني عاجل في ظل تصاعد المواجهات على الأرض، لا سيما مع التوتر المتنامي بين أنقرة وتل أبيب داخل الساحة السورية.
وفي السياق ذاته لعبت تركيا دوراً محورياً في تعزيز التنسيق الإقليمي، إذ كان لها أثر بارز في تسهيل زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى موسكو في 30 يوليو 2025، وجاءت تلك الزيارة في إطار مساعي دمشق لتقوية علاقاتها مع موسكو، والتشاور حول ترتيبات ما بعد الأسد، ووفق مصادر مطلعة، تم تنسيق هذه الزيارة بشكل وثيق مع الجانب التركي، في ما يُنظر إليه كدليل على التحول العميق في التموضع الإقليمي لأنقرة، وسعيها لتكريس دور الوسيط بين دمشق والعواصم الفاعلة، بما فيها موسكو.
تجدر الإشارة إلى أن زيارة فيدان الحالية تأتي ضمن ديناميكية دبلوماسية نشطة، سبقتها زيارات متبادلة بين مسؤولي البلدين، من بينها زيارة لفيدان نفسه إلى دمشق في ديسمبر الماضي، وأخرى ثلاثية في مارس ضمّت وزير الدفاع ورئيس الاستخبارات التركي.
وعلى الأرض، لا تزال الاشتباكات متفرقة بين قوات “قسد” والجيش السوري شمال حلب، في تذكير بأن أي تفاهم سياسي بين دمشق وأنقرة سيظل هشاً ما لم يُرفق بمعالجة ميدانية شاملة للجبهات المفتوحة.
وفي ختام الزيارة، يبدو أن الطرفين يدركان أن المرحلة المقبلة تفرض تحركاً سريعاً، ليس فقط لضبط إيقاع المسار السياسي، بل أيضاً لاحتواء التنافس الإقليمي ومنع أطراف أخرى من فرض معادلات جديدة في المشهد السوري المتقلب.
- محمد قنو