قافلة مساعدات للهلال الأحمر السوري المصدر سانا

في اليوم الماضي تصدّرت عبارة “حصار السويداء” منصات التواصل الاجتماعي، وظهرت في تغريدات ومنشورات تحت وسوم مثيرة مثل “تجويع_السويداء” و”أنقذوا_السويداء”، لتتبيّن لاحقاً أنها حملة ممنهجة تُدار من غرف تحريض إعلامي، لا علاقة لها بالواقع الميداني.
البداية كانت من المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يديره رامي عبد الرحمن، حين أطلق موجة من التهويل تحت غطاء “تحذيرات إنسانية”، سرعان ما تلقفتها حسابات مرتبطة بـ”الإدارة الذاتية”، ليتحوّل المشهد إلى سردية مضخّمة تخدم أجندات سياسية واضحة.

على الأرض كانت الحقيقة مختلفة تماماً، لا وجود لأي حصار مفروض، الطرقات مفتوحة، المساعدات تصل بشكل يومي، وحركة الدخول والخروج طبيعية، محافظ السويداء نفى رسمياً وجود الحصار مؤكداً مرور قوافل المساعدات من جهة بصرى الشام دون عوائق، وتشمل هذه القوافل مواد غذائية وطبية ووقوداً ومعدات خدمية، في الوقت نفسه تواصل الورشات الفنية تأهيل الطرق المتضررة، وتعمل فرق الطوارئ في وضح النهار، رغم استمرار الترويج الإعلامي لسيناريو “المدينة المحاصرة”، في تجاهل متعمد للواقع ومحاولة مدروسة لإثارة الذعر والانقسام.

في خلفية هذا التصعيد، برزت الدعوات التي أطلقها حكمت الهجري لفتح معابر نحو الأردن ومناطق سيطرة “قسد”، وهي مطالب تكشف بوضوح عن نية إخراج السويداء من الإطار الوطني، وتدويل وضعها ضمن مخطط سياسي يتجاوز الشعارات الإنسانية، الرد الأردني جاء حاسماً بالرفض، أما الحكومة السورية فاختارت الاستمرار في الدعم وتقديم الخدمات، في مقابل تجاهل الاستفزازات لتفويت الفرصة على محاولات التأزيم.

وبنفس السياق برز التدخل الإسرائيلي العلني، عبر طائرات مروحية أرسلت إلى السويداء بذريعة “الدعم الإنساني”، بينما قالت مصادر ميدانية أن الرحلات حملت شحنات من الأسلحة والذخيرة لدعم الفصائل المسلحة، وتعويض ما خسرته في المواجهات الأخيرة مع الجيش السوري، خاصة بعد تدمير مستودعاتها، كما أشارت تقارير إلى أن المساعدات التي دخلت عبر الهلال الأحمر استولى المجلس العسكري على القسم الأكبر منها، وجرى توزيعها على مناصريه دون مراعاة لاحتياجات السكان، في مؤشر على أن “الحصار” الحقيقي هو ذاك الذي تفرضه هذه الفصائل على أهل السويداء.

في موازاة هذا المشهد أعلن مالك أبو الخير، رئيس حزب “اللواء السوري” المقيم في فرنسا، تبنيه لفكرة “الإدارة الذاتية” في السويداء، في خطوة تنسجم مع ما يطرحه المجلس العسكري والهجري، ما يعزز الشكوك حول وجود تنسيق مدروس في سياق مشروع انفصالي يتم الترويج له تحت لافتة إنسانية، بينما تدعمه مروحيات قادمة من فوق الجولان المحتل، وترعاه منصات إعلامية مأجورة.

ما يجري في السويداء اليوم ليس أزمة إنسانية بقدر ما هو معركة سياسية تُدار بأدوات التضليل والتجييش، وتهدف إلى اختطاف المحافظة من سياقها الوطني، وتحويلها إلى منطقة عازلة محمية إسرائيلياً، تُفتح فيها الأبواب أمام مشاريع تقسيم وانفصال، في لحظة إقليمية دقيقة تكثر فيها التقاطعات وتُختبر فيها حدود النفوذ.

  • محمد قنو

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top