السويداء

في خضم التصعيد العسكري والأمني الذي تعيشه محافظة السويداء، تبرز الانعكاسات الاقتصادية كوجه آخر للأزمة، قد لا يكون أكثر ظهوراً من أصوات القذائف، لكنه لا يقل خطورة على حياة السكان ومستقبل المحافظة.

السويداء، وهي واحدة من أفقر المحافظات السورية من حيث الموارد والإنتاج، تعتمد في بنيتها الاقتصادية على النشاط الزراعي المحدود والتحويلات المالية من المغتربين، وبفعل غياب الاستثمارات الكبرى والبنى التحتية الحيوية، ظل اقتصادها هشاً ومعرضاً للتأثر السريع بأي اضطراب أمني أو سياسي، واليوم، ومع تصاعد الاشتباكات، باتت الأنشطة الاقتصادية في حالة شلل شبه تام، حيث أُغلقت الأسواق، وتوقف النقل بين المدن والقرى، ما عطّل حركة السلع والخدمات، وفاقم الأعباء المعيشية على السكان.

لكن الأزمة لا تقف عند حدود الاشتباك المسلح، بل تتعمّق بفعل الانقسام المتزايد بين المرجعيات الدينية والاجتماعية، والذي يلقي بظلاله على المشهد العام في السويداء، إذ كان لهذا الانقسام أثر واضح في تقويض أي جهد جماعي للتهدئة أو بناء موقف موحّد يضمن حماية المدنيين ويعيد الحياة تدريجياً إلى طبيعتها، وبدلاً من تشكيل جبهة داخلية متماسكة، انعكس تشتت المواقف بين القيادات التقليدية والدينية على الشارع، ما أدّى إلى تصاعد حالة عدم اليقين وزيادة التوتر المجتمعي.

الاقتصاد المحلي، في مثل هذه الأجواء، لا يمكن أن يزدهر، بل ينكمش أكثر مع كل يوم يمر من دون توافق أو تهدئة. وقد بدأت نتائج ذلك تظهر بوضوح: توقف أسواق الخضار والمواشي، تعطل حركة النقل من ريف المحافظة، ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وانعدام الأمن الغذائي في بعض الأحياء.

كما أن استمرار حالة الاستقطاب بين الجهات المسلحة من جهة، والسلطات الرسمية من جهة أخرى، يجعل من أي مبادرة اقتصادية محتملة مجرد حلم بعيد المنال، فالاستثمار، سواء أكان محلياً أو دولياً، يتطلب بيئة مستقرة سياسياً وأمنياً، وهي مقوّمات مفقودة حالياً في ظل هذا المشهد المنقسم.

إن عودة الحياة الاقتصادية إلى السويداء تتطلب ما هو أكثر من الإجراءات العسكرية أو الأمنية، بل تحتاج إلى مصالحة حقيقية بين مكونات المجتمع، تستند إلى حوار شامل يعيد بناء الثقة ويؤسس لحالة من التوافق الأهلي. فبدون ذلك، ستبقى المحافظة أسيرة التدهور، يدفع ثمنه المواطن البسيط، الذي بات يواجه خيارات محدودة بين النزوح أو الصمت أو العيش تحت القصف والجوع.

  • المحرر الاقتصادي

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top