الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في ولايته الأولى مع نتنياهو

أعاد تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باعترافه بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل فتح ملفٍ بالغ الحساسية في المنطقة، وأثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والشعبية والإعلامية. فبينما اعتبره كثيرون خرقاً صارخاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، رأى آخرون أنه محاولة لإحراج الحكومة السورية ودفعها إلى مواجهة غير متكافئة مع واشنطن، في وقت تمر فيه البلاد بظروف معقدة لا تحتمل المزيد من التصعيد. هذا الجدل يعكس في جوهره التناقض بين منطق القوة الذي تحاول الولايات المتحدة فرضه، ومنطق الشرعية الدولية الذي تتمسك به سوريا ومعظم دول العالم.

الجولان في القانون الدولي

من الناحية القانونية، لا يغيّر الاعتراف الأمريكي شيئاً من حقيقة أن الجولان أرض سورية محتلة منذ عام 1967، وأن ضم إسرائيل له عام 1981 رفضه المجتمع الدولي بشكل قاطع. فقد صدر قرار مجلس الأمن رقم 497 (1981) بالإجماع ليؤكد أن قرار إسرائيل بفرض قوانينها وإدارتها على الجولان “باطل ولاغٍ وليس له أثر قانوني دولي”، وطالبها بإلغائه فوراً. كما أن الجمعية العامة للأمم المتحدة كررت في أكثر من مناسبة تأكيدها على الوضع القانوني للجولان، حيث اعتمدت في ديسمبر 2025 قراراً جديداً بأغلبية 123 دولة يطالب إسرائيل بالانسحاب من الجولان ويعتبر ضمها “باطلاً ولاغياً”. هذه القرارات تؤكد أن المجتمع الدولي لا يعترف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، وأن أي اعتراف أحادي الجانب لا يملك قوة تغيير هذا الواقع القانوني الراسخ.

البعد السياسي للقرار الأمريكي
خطورة تصريح ترامب تكمن في محاولة فرض أمر واقع سياسي، وإضفاء شرعية على الاحتلال، بما يعكس توجه الإدارة الأمريكية آنذاك نحو تكريس الدعم المطلق لإسرائيل، حتى على حساب القانون الدولي ومواقف المجتمع الدولي. هذا الاعتراف جاء في سياق سلسلة من القرارات الأمريكية التي انحازت بشكل كامل لإسرائيل، مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل. وهو ما يوضح أن واشنطن لم تكن تسعى فقط إلى دعم إسرائيل، بل إلى إعادة صياغة قواعد اللعبة في المنطقة، عبر تجاوز المرجعيات الدولية وفرض رؤيتها الخاصة.

الموقف السوري الرسمي

في مواجهة هذا التصريح، جاء الموقف السوري واضحاً في التأكيد على أن الجولان أرض سورية لا يمكن التنازل عنها، وأن أي اعتراف أو قرار أحادي لا يغيّر من هذه الحقيقة. وقد اختارت دمشق أن ترد عبر القنوات الدبلوماسية، حيث نجحت بالتعاون مع المجموعة العربية في تمرير قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة يؤكد الوضع القانوني للجولان ويطالب بانسحاب الاحتلال، وهو ما حظي بأغلبية ساحقة. هذا المسار يعكس إدراكاً لموازين القوى، ورغبة في تجنب الدخول في سجالات كلامية مع واشنطن قد تُستغل لإضعاف الموقف السوري أو لتصويره على أنه تحدٍ مباشر للقوة الأمريكية.

ردود الفعل الداخلية

في الداخل السوري، تباينت ردود الفعل بين من طالب الحكومة بردود حازمة، معتبراً أن الصمت ضعف أو تواطؤ، وبين من رأى أن التصعيد الكلامي لا يخدم القضية بل قد يفتح الباب أمام مزيد من الضغوط والعزلة. وهناك من استحضر تجارب الماضي، حيث استخدم النظام البائد قضية الجولان للمزايدة السياسية دون أن يحقق أي تقدم فعلي، بل وظّفها لتبرير سياسات داخلية قمعية واستبدادية. في المقابل، عبّر مواطنون وناشطون عن رفضهم القاطع للاعتراف الأمريكي، مؤكدين تمسكهم بحق سوريا في الجولان، وداعين إلى التعبير الشعبي السلمي عن هذا الموقف بما يحفظ وحدة الصف ويخدم القضية بعيداً عن المزايدات أو التصعيد غير المحسوب.

البعد الإقليمي والدولي

لم يكن تصريح ترامب حدثاً معزولاً، بل جاء في سياق إقليمي ودولي متشابك. فإسرائيل سعت منذ عقود إلى تكريس سيطرتها على الجولان، مستفيدة من الدعم الأمريكي ومن انشغال المنطقة بأزمات أخرى. أما الدول العربية، فقد عبّرت عن رفضها للقرار الأمريكي، لكنها لم تذهب أبعد من المواقف السياسية والدبلوماسية. في المقابل، أبدت دول كبرى مثل روسيا والاتحاد الأوروبي رفضها للاعتراف الأمريكي، مؤكدة تمسكها بالقرارات الدولية. هذا التباين يعكس أن واشنطن لم تنجح في فرض رؤيتها على المجتمع الدولي، لكنها نجحت في خلق حالة من الإرباك السياسي.

الدروس التاريخية

التاريخ يقدم بدوره دروساً مشابهة، أبرزها صلح الحديبية، حين قبل النبي محمد ﷺ شروطاً مجحفة من قريش، لكنها لم تمنع المسلمين من تحقيق أهدافهم لاحقاً وفتح مكة. هذا المثال يُستحضر للدلالة على أن الصبر والتدرج، والابتعاد عن ردود الفعل الانفعالية، قد يكونان أكثر فاعلية في تحقيق الأهداف الكبرى. وهو ما ينطبق على الموقف السوري في هذه القضية، حيث يُفضل التمسك بالحق عبر أدوات القانون والدبلوماسية، بدلاً من الدخول في مواجهات غير محسوبة قد تخدم الأعداء أكثر مما تخدم القضية.

ما هو دور الشعب؟

يبقى للشعب دور أساسي في هذه المعركة، فصمت الحكومة في هذا الظرف قد يكون الخيار الأنسب، لكن الشعب ليس مطالباً بالصمت. من حق السوريين، بل من واجبهم، أن يعبّروا عن رفضهم لهذا الاعتراف، وأن يتمسكوا بحقهم في الجولان بكل الوسائل السلمية المتاحة. المطلوب هو دعم السياسة الرسمية، وتجنب العنف المنفلت الذي يضر بالقضية ويخدم الأعداء، مع الحفاظ على وحدة الصف والتمسك بالثوابت الوطنية. فالقضية ليست قضية حكومة فقط، بل قضية شعب وأمة، تتطلب وعياً جماعياً وإصراراً على الحق.

خاتمة:
في المحصلة، لم يغيّر تصريح ترامب من حقيقة أن الجولان أرض سورية محتلة وفق القانون الدولي، ولا يملك أي طرف أن يمنح الاحتلال شرعية. الرد الأمثل لا يكمن في المزايدات أو الصراخ، بل في التمسك بالحق، وتوظيف أدوات القانون الدولي، وتعزيز الموقف الشعبي والدبلوماسي، حتى يأتي اليوم الذي يعود فيه الجولان إلى حضن الوطن. وبينما تحاول واشنطن فرض منطق القوة، يبقى منطق الشرعية الدولية هو السلاح الأهم، ومعه إرادة الشعوب التي لا يمكن أن تُكسر مهما طال الزمن.

المراجع القانونية
– قرار مجلس الأمن رقم 242 (1967): يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي التي احتلتها في حرب يونيو.
– قرار مجلس الأمن رقم 338 (1973): يؤكد ضرورة تطبيق القرار 242 ووقف إطلاق النار.
– قرار مجلس الأمن رقم 497 (1981): يعتبر قرار إسرائيل بضم الجولان “باطلاً ولاغياً وليس له أثر قانوني دولي”.
– قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة المتكررة، ومنها القرار الصادر في ديسمبر 2025 الذي صوتت له 123 دولة، وأكد أن الجولان أرض سورية محتلة وأن ضم إسرائيل له غير قانوني.

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top