صورة للرئيس المخلوع بشار الأسد

كشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية، في تقرير نشرته اليوم الاثنين، ملامح الحياة التي تعيشها عائلة رأس النظام السوري المخلوع بشار الأسد في موسكو، حيث لجأت عقب انهيار حكمه وفراره من سوريا في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024.

ووصف التقرير نمط حياة العائلة في العاصمة الروسية بأنه هادئ ومنغلق، ضمن دوائر النخبة الروسية، بعد مغادرة الأسد البلاد إثر سقوط نظامه. ووفق الصحيفة، فإن العائلة تعيش حالة من العزلة السياسية والاجتماعية، على الرغم من مظاهر الرفاه التي تحيط بها.

وبحسب صديق مقرّب من العائلة، إضافة إلى مصادر روسية وسورية وبيانات مسرّبة، عاد بشار الأسد إلى مقاعد الدراسة في موسكو، حيث يتعلّم اللغة الروسية ويعيد دراسة اختصاصه السابق في طب العيون، وهو المجال الذي درسه في لندن قبل تسلّمه السلطة.

وأشار المصدر ذاته إلى أن عودة الأسد إلى دراسة الطب جاءت بدافع “الشغف لا الحاجة المادية”، لافتاً إلى أنه كان يمارس مهنته الطبية بشكل متقطع حتى قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011.

وأفادت الصحيفة بأن عدداً من أفراد العائلة يقيمون في أحياء راقية ومغلقة في موسكو، من بينها منطقة روبلوفكا، التي تُعد مقراً لسكن شخصيات سياسية واقتصادية نافذة، ومنهم الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش، الذي لجأ إلى روسيا عام 2014.

وذكرت “الغارديان” أن عائلة الأسد حافظت على نمط عيش مرفّه رغم العزلة، مستفيدة من نقل جزء كبير من ثروتها إلى موسكو خارج المنظومة المالية الغربية منذ بدء فرض العقوبات عام 2011، ما يعني أنها لا تواجه ضائقة مالية.

وفي المقابل، أوضح التقرير أن العائلة باتت معزولة إلى حد كبير عن الدوائر السياسية والاجتماعية التي كانت تتحرك ضمنها سابقاً في سوريا وحتى في روسيا، على الرغم من استمرار مظاهر الترف في حياتها اليومية.

كما تطرّقت الصحيفة إلى مشاعر الخذلان لدى بعض المقربين من بشار الأسد، نتيجة فراره المفاجئ من دمشق في اللحظات الأخيرة، إضافة إلى القيود الصارمة التي فرضها المسؤولون الروس على تواصله مع شخصيات بارزة من النظام السابق.

ونقل التقرير عن صديق للعائلة أن الأسد يعيش في موسكو حياة “هادئة جداً”، إلا أن تواصله مع العالم الخارجي محدود للغاية، ويقتصر على عدد قليل من الأشخاص الذين عملوا معه سابقاً في قصر الرئاسة، من بينهم منصور عزام، وزير شؤون رئاسة الجمهورية السابق، ويسار إبراهيم، أحد أبرز الوجوه الاقتصادية للنظام المخلوع.

من جهته، قال مصدر مقرّب من الكرملين للصحيفة إن بشار الأسد لا يتمتع بأي ثقل سياسي داخل روسيا، مؤكداً أن القيادة الروسية لا تبدي تعاطفاً مع قادة فقدوا سلطتهم، وأن الأسد يُعد “شخصاً غير ذي صلة” بالنسبة للرئيس فلاديمير بوتين والنخبة الحاكمة، ولم يعد يُنظر إليه كشخصية مؤثرة أو كضيف مرغوب به في الدوائر المغلقة.

وفي سياق متصل، نقلت “الغارديان” عن أحد أصدقاء ماهر الأسد، قائد “الفرقة الرابعة” في جيش شقيقه، أن ماهر فشل في التواصل مع بشار رغم محاولاته المتكررة قبل أيام من سقوط النظام.

وأوضح المصدر أن ماهر بقي في القصر الرئاسي حتى اللحظات الأخيرة، وساعد عدداً من الشخصيات على الهرب، بينما كان بشار منشغلاً بنفسه فقط، وهو ما أكدته لاحقاً آثار عُثر عليها داخل القصر، تشير إلى مغادرة ماهر المتأخرة.

وفي شهادة أخرى، قال محامي رفعت الأسد، عم بشار الأسد، للصحيفة إن عدداً من أفراد العائلة وجدوا أنفسهم في حالة فوضى بعد هروب الأسد، دون أي خطة واضحة للخروج من سوريا. وأوضح أن ثمانية من أفراد العائلة اضطروا للنوم داخل سياراتهم أمام قاعدة “حميميم” الروسية، بعد فشلهم في التواصل مع الجنود الروس، قبل أن يتمكنوا لاحقاً من مغادرة البلاد إلى سلطنة عُمان بوساطة مسؤول روسي رفيع.

وبيّنت الصحيفة أن اهتمام عائلة الأسد خلال الأشهر الأولى التي تلت سقوط النظام انصبّ بشكل أساسي على الوضع الصحي لأسماء الأسد، التي كانت تتلقى العلاج في موسكو من مرض اللوكيميا، فيما لم يكن مصير حلفائهم السابقين أولوية لديهم.

وحول الحالة الصحية لأسماء الأسد، أفادت مصادر مطلعة للصحيفة بأن وضعها الصحي استقر لاحقاً بعد خضوعها لعلاج تجريبي تحت إشراف مباشر من الأجهزة الأمنية الروسية.

وأضاف التقرير أنه، ومع تحسّن صحة زوجته، حاول بشار الأسد الظهور إعلامياً لتقديم روايته حول ما جرى، حيث جرى الترتيب لمقابلات محتملة مع قناة “روسيا اليوم” ومدوّن أمريكي محسوب على التيار اليميني، إلا أن السلطات الروسية رفضت منحه الإذن بالظهور العلني، إذ فُرضت عليه قيود تمنعه من أي نشاط سياسي أو إعلامي.

وفي المقابل، رأت “الغارديان” أن أبناء الأسد بدأوا تدريجياً التأقلم مع واقعهم الجديد داخل أوساط النخبة في موسكو، رغم أن آثار الصدمة ما زالت واضحة عليهم.

وسجّلت العائلة ظهوراً علنياً وحيداً، من دون بشار الأسد، خلال حفل تخرّج ابنتهم زين الأسد من جامعة “مغيمو” في 30 حزيران/يونيو الماضي، حيث نالت شهادة في العلاقات الدولية. ووفق طلاب حضروا الحفل، التزمت العائلة حضوراً خافتاً وغادرت سريعاً من دون لفت الأنظار.

أما حافظ بشار الأسد، فقد كان آخر ظهور علني له في شباط/فبراير الماضي، عبر مقطع مصوّر دافع فيه عن رواية العائلة بشأن الفرار من دمشق، قبل أن يختفي عن المشهد العام ويغلق معظم حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، مستخدماً أسماء مستعارة.

ووفق التقرير، تتنقل أسماء الأسد وأبناؤها بشكل متكرر بين موسكو والإمارات العربية المتحدة، حيث يقضون أوقاتاً طويلة في التسوق واقتناء السلع الفاخرة.

كما أشارت الصحيفة إلى أن دولة الإمارات كانت وجهة مفضلة لعائلة الأسد حتى قبل سقوط النظام، إلا أن الانتقال للإقامة الدائمة فيها يبدو مؤجلاً، في ظل الحرج السياسي المرتبط باستضافة بشار الأسد، حتى في دول اعتادت استقبال شخصيات مثيرة للجدل.

وكان بشار الأسد قد فرّ، برفقة مرافقه الخاص وعدد من أفراد عائلته، إلى قاعدة “حميميم” الروسية، ومنها إلى موسكو، عقب انهيار نظامه في السابع من كانون الأول/ديسمبر 2024، وسيطرة قوات “ردع العدوان” على محافظة حمص ودخولها العاصمة دمشق، وإعلان تحرير سوريا فجر الثامن من الشهر ذاته.

وفي 13 كانون الأول/ديسمبر 2024، نشرت وكالة “رويترز” تقريراً كشفت فيه عن خطة سرية أعدّها الأسد للهروب من البلاد مع اقتراب سقوط نظامه، من دون إبلاغ معظم مساعديه أو مسؤولي حكومته، وحتى أقرب أقربائه.

وبحسب الوكالة، لجأ الأسد إلى الخداع والتكتم لتأمين خروجه، إذ أبلغ مدير مكتبه الرئاسي أنه سيعود إلى منزله، لكنه توجّه إلى المطار، كما طلب من مستشارته الإعلامية بثينة شعبان الحضور إلى منزله لكتابة خطاب، إلا أنها لم تجد أحداً عند وصولها.

ونقلت “رويترز” عن ثلاثة من مساعديه أن الأسد لم يبلغ حتى شقيقه الأصغر ماهر بخطط الهروب، ما دفع الأخير إلى الفرار لاحقاً بمروحية إلى العراق، ثم إلى روسيا.

وغادر بشار الأسد دمشق في الساعات الأولى من صباح الأحد 8 كانون الأول/ديسمبر على متن طائرة خاصة، حلّقت تحت الرادار بعد تعطيل أجهزة الإرسال والاستقبال، لتفادي رصده من قبل فصائل المعارضة التي كانت تقتحم العاصمة.

وحطّت الطائرة أولاً في قاعدة “حميميم” الروسية قرب اللاذقية، قبل أن يُنقل الأسد بطائرة أخرى إلى موسكو، حيث استقر لاحقاً.

 

  • فريق التحرير

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top