شكّل الظهور الأخير لرئيس الوزراء السوري السابق، الدكتور محمد غازي الجلالي، في الفيلم الوثائقي “مفاتيح دمشق” الذي عرضته قناة الجزيرة، نقطة محورية للجدل والنقاش الإعلامي الواسع. لم يكن الخلاف حول المعلومات التي أدلى بها، بقدر ما كان حول الإطار الذي قُدمت فيه شخصيته في سياق سقوط النظام.
الجلالي، الذي لم تمضِ على توليه منصب رئيس الوزراء في عهد بشار الأسد سوى أشهر قليلة (من 23 سبتمبر إلى 8 ديسمبر 2024)، ظهر في الوثائقي وكأنه شاهد محايد أو مراقب يروي أحداث “معركة رد العدوان” وسقوط دمشق، بدلاً من أن يُقدم كـجزء لا يتجزأ من منظومة الحكم المنهارة. هذا التجاهل الملحوظ لموقعه القيادي في السلطة التنفيذية هو ما أثار موجة انتقادات واسعة.
ركزت شهادة الجلالي على الساعات الحرجة التي تلت انهيار قوات النظام. أشار الجلالي إلى أنه تعرض لمحاولات ضغط من جهات معينة لانتزاع تصريح أو بيان استقالة أو تسليم للسلطة منه، وهي محاولات أكد أنه رفضها رفضاً قاطعاً.
لكن الكاميرا نقلت مشهدًا يكشف عن الواقع الأمني المعقد في دمشق تلك الليلة، حيث ظهرت عناصر من اللواء الثامن (التابعة لقوات المعارضة) وهي تقوم بتأمينه إلى فندق الكوير سيزون. وقد بدت على الجلالي علامات الارتياح الواضحة، المقطع يؤكد أن أحداً لم يجبره على الخروج من مكانه، بل تم نقله إلى مكان أكثر أماناً لحين وصول القوات الرئيسية لـ”ردع العدوان” لتولي إدارة شؤون العاصمة.
يأتي هذا المشهد في ظل حقيقة أن القوات التي دخلت العاصمة كان هدفها واضحاً ومُعلنًا بالتنسيق مع قيادات “ردع العدوان”: تأمين العاصمة والمؤسسات الحيوية. وقد سجلت هذه القوات نجاحات في تأمين أماكن حيوية مثل المصرف المركزي ومنع سرقة محتوياته في خضم الفوضى والانهيار.
ويرى ناشطون ومتابعون للمشهد السوري أن السقوط السريع للنظام وانهيار جيشه أفقد الجلالي القدرة على التحكم بالأحداث. ففي ظل السرعة التي سقطت بها دمشق وانهارت منظومة النظام بالكامل، لم يكن الجلالي يملك من أمره شيئاً، ولم يكن لـموافقته أو عدمها على أي ظهور إعلامي أو اتفاق أن يغير شيئاً في معادلة السيطرة على العاصمة.
ولهذا السبب تحديداً، يعتبر النقاد أن إظهار الجلالي بمظهر الوطني أو المحايد بعد سنوات من خدمته في النظام البائد، هو اختيار غير موفق للوثائقي. وكان الأحرى بالفيلم التركيز على شهادات من دخلوا دمشق فعلاً وقاموا بحماية المرافق العامة قبل وصول قوات “ردع العدوان”، لتسليط الضوء على الأطراف التي أنجزت عملية التحرير على الأرض.
يُذكر أن الدكتور محمد غازي الجلالي هو أكاديمي ومهندس مدني (مواليد 1969م)، ويحمل شهادة الدكتوراه في اقتصاديات الهندسة. وبعيداً عن رئاسة الوزراء، شغل سابقاً منصب وزير الاتصالات والتقانة (2014-2016)، كما شغل منصب رئاسة الجامعة السورية الخاصة.
- أحمد تلاوي






