الرئيس أحمد الشرع في خطاب النصر بقصر المؤتمرات بدمشق

عام على التحرير، وفي المسجد الأموي بدمشق، وقف الرئيس أحمد الشرع ليُلقي خطاباً يختصر فلسفة الحكم في عبارة واحدة: “أطيعوني ما أطعت الله فيكم”. هذه الكلمات لم تكن مجرد شعار، بل إعلان مبدئي يعيد تعريف السلطة في سورية الجديدة، ويضعها في سياقها الصحيح: الحاكم خادم، لا إله ولا منزه عن الخطأ، بل بشر يُحاسَب ويُراقَب، وتُقاس شرعيته بمدى التزامه بالحق والعدل.

هذا الخطاب يعيد إلى الأذهان أول خطبة للخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين قال: “أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم.” كان ذلك إعلاناً مبكراً أن السلطة في الإسلام ليست امتيازاً ولا قداسة، بل تكليف ومسؤولية، وأن الأمة هي صاحبة الحق في المحاسبة والمساءلة.

في سورية الجديدة، بعد سقوط الاستبداد، تأتي كلمات الشرع لتؤكد أن زمن الحاكم المتأله قد انتهى، وأن السلطة لم تعد عصا غليظة بيد فرد متسلط، بل عقد اجتماعي يقوم على خدمة الناس وصيانة حقوقهم. الحاكم ليس فوق القانون، بل هو أول من يخضع له، وليس فوق النقد، بل هو أول من يُحاسَب.

إعادة تعريف السلطة بهذا الشكل يحمل دلالات عميقة، فهو يؤكد أن الحاكم موظف عند الشعب لا سيد عليهم، وأن الطاعة مشروطة بالعدل فلا شرعية للظلم، وأن الأمة هي الرقيب والحاكم خاضع للمساءلة أمامها. كما يبرز أن هذا الفهم الجديد يجب أن يُترجم إلى دستور وقوانين تضمن المحاسبة والشفافية، ويؤسس لمواطنة متساوية بعيداً عن الولاءات الطائفية أو الشخصية، ويجعل العدالة الاجتماعية جزءاً من جوهر السلطة عبر حماية الفقراء والمهمشين. وهو أيضاً يوضح الفرق بين الحاكم الذي كان يُقدَّس ويُرفع فوق النقد، وبين الحاكم اليوم الذي يعلن أنه بشر يُحاسَب، ويعيد سورية إلى موقعها الطبيعي بين الأمم كدولة سيادة وعدل.

هذه المفاهيم لا بد أن تُرسخ في الوعي الجمعي والمناهج التعليمية لتصبح ثقافة سياسية راسخة، فيما يبقى استدعاء خطبة أبي بكر الصديق رابطاً بين الماضي والحاضر، ودليلاً على أن قيم الحرية والعدل جزء أصيل من تراث الأمة.

بهذا الخطاب، تُفتح أمام السوريين نافذة جديدة لرؤية السلطة كخدمة عامة، لا كأداة قهر. فالحاكم الذي يعلن أنه خادم، يضع نفسه في موقع المسؤولية لا الامتياز، ويعيد الاعتبار للشعب باعتباره مصدر الشرعية وصاحب القرار.

إن سورية اليوم، وهي تعيد بناء مؤسساتها، بحاجة إلى هذا الفهم الجديد للسلطة: سلطة تُحاسَب، سلطة تُراقَب، وسلطة تُخدم الشعب لا تستعبده.
وما قاله الشرع في المسجد الأموي ليس مجرد كلمات، بل ميثاق سياسي وأخلاقي، يعيد وصل الحاضر بجذور التاريخ، ويؤكد أن الحرية والعدل هما أساس أي حكم صالح.

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top