لقاء السيد أحمد الشرع مع الجالية السورية في واشنطن

شهدت الجالية السورية في الولايات المتحدة لقاءً مميزاً مع الرئيس أحمد الشرع، اتسم بالعفوية والصدق والتفاعل المباشر مع الحضور، في مشهدٍ تجاوز الطابع البروتوكولي المعتاد، ليؤسس لمرحلةٍ جديدة من الخطاب السياسي السوري القائم على القرب من الناس، والتواصل الإنساني الصادق.

أكثر من 750 شخصاً حضروا من مختلف الولايات الأمريكية. ورغم غياب بعض الشخصيات المعروفة بدعمها الطويل للثورة، فإنّ اللقاء عكس صورة الانفتاح والتنوع داخل المجتمع السوري في المهجر، وهو ما أعطاه طابعاً تمثيلياً يعكس المزاج العام للسوريين في الخارج. منذ البداية، تحدّث الرئيس باللهجة العامية مبتعداً عن الخطاب الرسمي الجامد، وتقبّل المقاطعات بروح مرحة، في دلالة رمزية على تحوّل القيادة من “السلطة المهابة” إلى “السلطة القريبة”. هذا التحوّل في الأسلوب لم يكن تفصيلاً شكلياً، بل ترجمة لجوهر مشروع سياسي جديد يربط الشرعية بثقة الشعب لا بهيبة المنصب.

في كلمته، شدّد الرئيس الشرع على امتلاكه استراتيجية وطنية شاملة للنهوض، مؤكداً أن زمن “إطفاء الحرائق” قد انتهى، وأن البناء الجديد يرتكز على التخطيط الطويل الأمد. وأوضح أن التحضيرات العسكرية لتحرير البلاد سبقتها خطة لوجستية مدنية ضمنت استمرار الخدمات وحماية المدنيين، بما يشير إلى نقلة نوعية في التفكير الاستراتيجي للدولة السورية.

السرد الذي قدّمه عن معرض الكتاب في إدلب قبل التحرير بأشهر، حين تخيّل دمشق “امرأةً تتهاوى” قبل أن يقول لنفسه: “قفي يا دمشق، فنحن اقتربنا لنمسك بيدك.”، شكّل لحظة وجدانية تعبّر عن الوجه الإنساني للمشروع الوطني — مشروع يرى في المدن كائنات حيّة لا ساحات نفوذ. كما أظهر الرئيس تواضعاً واضحاً حين رفض المديح الزائد، مؤكداً أن “قيمة السلطة تأتي من كرامة الشعب”، ومشدداً على ضرورة “رفع الطاقة العامة بنسبة 30–40%” لتحفيز المجتمع على الإنتاج والعطاء. هذا الخطاب يؤسس لفلسفة حكم جديدة تقوم على التحفيز بدل الترهيب، والمسؤولية بدل الخوف.

مقاربة وزير الخارجية

في المقابل، قدّم وزير الخارجية أسعد الشيباني مقاربة سياسية واقعية حين قال إن رفع العقوبات “ليس النهاية بل البداية”، مشيراً إلى أن سوريا أمام مرحلة إعادة بناء إداري وأخلاقي تتطلب الكفاءة والمحاسبة. وتلميحه إلى زيارة مرتقبة إلى الصين يعكس توازن السياسة الخارجية السورية بين الشراكات الشرقية والانفتاح على الغرب.

رسالة المبعوث الأمريكي

أما المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، فقد وجّه رسائل دبلوماسية لافتة حين وصف سوريا بـ“لوحة موزاييك وجدنا مهندسها اليوم”، في إشارة رمزية إلى اعترافٍ ضمني بشرعية النظام الجديد وفعالية قيادته. طلبه من الجالية السورية “الضغط داخل الكونغرس لإلغاء قانون قيصر” يُعدّ مؤشراً على تحوّل المزاج الأمريكي من المقاطعة إلى التفاعل البراغماتي.

وفي الطرائف التي رواها الرئيس — كحادثة سرقة حذائه في الجامع الأموي — تبرز ثقة القيادة بنفسها وقدرتها على تقديم نموذج جديد للزعامة الإنسانية، بعيداً عن الصنعة والاستعراض. بهذا اللقاء، يمكن القول إن الرئيس الشرع لم يخاطب الجالية فحسب، بل قدّم عرضاً عملياً لملامح الجمهورية السورية الجديدة: دولة مدنية قوية، مرنة في خطابها، صلبة في استراتيجيتها، تعيد ترميم العلاقة بين المواطن والدولة على أساس الاحترام لا الخوف، والمواطنة لا الولاء الشخصي.

عام 2026، كما وصفه الرئيس، سيكون عام “النهضة السريعة”. وبقراءته ضمن السياق السياسي العام، يبدو واضحاً أن سوريا تتجه إلى مرحلة إعادة تعريف الدولة: من دولة البقاء إلى دولة البناء، ومن خطاب الصمود إلى خطاب الإنجاز. لقد مثّل لقاء الجالية السورية في أمريكا لحظة مفصلية – لحظة انتقال من السياسة بوصفها سلطة، إلى السياسة بوصفها فن الإصغاء وإدارة الأمل.

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top