تل الفرس

في الأسابيع الأخيرة، تصاعد الحديث حول نية الولايات المتحدة إنشاء قاعدة عسكرية في الجنوب السوري، قرب العاصمة دمشق، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً بين المراقبين، وسط تضارب في التصريحات الرسمية وتكهنات حول الأهداف الحقيقية لهذه الخطوة. فهل نحن أمام إعادة تموضع أمريكي في سوريا؟ أم أن الأمر يتعلق باتفاق أمني إقليمي جديد يعيد رسم خرائط النفوذ؟

السياق العام: بين النفي الرسمي والتسريبات الغربية

نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر مطلعة أن واشنطن تدرس إنشاء قاعدة عسكرية قرب دمشق، ضمن ترتيبات أمنية جديدة تشمل منطقة منزوعة السلاح بين سوريا وإسرائيل. ووفقاً للتقرير، فإن هذه القاعدة ستكون جزءاً من اتفاق أمني يجري التفاوض عليه، يهدف إلى “ضبط التوازنات الأمنية في الجنوب السوري” وتعزيز الاستقرار على الحدود.

في المقابل، نفت الحكومة السورية هذه المعلومات جملةً وتفصيلاً، مؤكدة أن المرحلة الحالية تشهد تحولاً في الموقف الأمريكي نحو التعامل المباشر مع دمشق، بعيداً عن الأجسام المؤقتة التي نشأت خلال سنوات الحرب. كما شددت على رفضها لأي وجود عسكري أجنبي غير شرعي على أراضيها، معتبرة أن السيادة الوطنية خط أحمر لا يقبل المساومة.

الأبعاد الأمنية: رقابة أم إعادة انتشار؟

من الناحية العسكرية، تشير التحليلات إلى أن القاعدة الأمريكية المحتملة قد تكون ذات طابع رقابي، تهدف إلى مراقبة تنفيذ اتفاق محتمل بين دمشق وتل أبيب، خاصة في ظل الحديث عن منطقة منزوعة السلاح جنوب العاصمة. إلا أن البعض يرى في هذه الخطوة محاولة لإعادة تموضع أمريكي في سوريا بعد سنوات من الانكفاء النسبي، خصوصاً مع تصاعد التوترات بين إسرائيل والمحور الإيراني في الجولان، ضمن نطاق النفوذ السوري.

كما أن وجود قاعدة أمريكية في هذه المنطقة الحساسة قد يثير ردود فعل من روسيا وتركيا، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات تصعيد أو تفاهمات جديدة.

البعد السياسي والدبلوماسي: اتفاق أمني أم هندسة إقليمية؟

سياسياً، تطرح هذه الخطوة تساؤلات حول ما إذا كانت القاعدة جزءاً من مسار اتفاق أمني وسلام مؤقت غير معلن بين سوريا وإسرائيل، برعاية أمريكية. فوجود قاعدة أمريكية قرب دمشق، في منطقة يُحتمل أن تشملها ترتيبات أمنية مشتركة، قد يشير إلى بداية مرحلة جديدة من الانخراط الأمريكي في الملف السوري، ليس فقط كطرف عسكري، بل كمهندس لتفاهمات إقليمية.

كما أن هذه الخطوة قد تعكس رغبة واشنطن في إعادة هندسة التوازنات الإقليمية عبر إنهاء النفوذ الإيراني وتقليص الدور الروسي، وتثبيت خطوط تماس جديدة بين القوى الفاعلة في سوريا.

الموقف السوري الرسمي: سيادة لا تقبل التجزئة

في تصريحات رسمية، أكدت وزارة الخارجية السورية أن دمشق ترفض أي وجود عسكري أجنبي غير شرعي، وأنها لم توافق على إنشاء أي قاعدة أمريكية في الجنوب. كما شددت على أن أي ترتيبات أمنية يجب أن تمر عبر الحكومة المركزية، وليس عبر أجسام مؤقتة أو قنوات غير رسمية.

هذا الموقف يعكس حرص دمشق على تأكيد سيادتها، في وقت تسعى فيه إلى استعادة دورها الإقليمي والدولي بعد سنوات من العزلة والحرب.

السيناريوهات المحتملة

  1. اتفاق أمني شامل: القاعدة جزء من تفاهمات إقليمية تشمل سوريا، إسرائيل، والولايات المتحدة، بهدف إنهاء النفوذ الإيراني.

  2. إعادة تموضع أمريكي: واشنطن تسعى إلى تعزيز وجودها في سوريا لمراقبة التوازنات الجديدة.

  3. خطوة رمزية: القاعدة تمثل بداية لمسار اتفاق أمني تدريجي بين دمشق وتل أبيب، برعاية أمريكية.

ختاماً:
القاعدة الأمريكية في الجنوب السوري، إن صحت المعلومات، تمثل نقطة تحول في المشهد السوري، وتفتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول مستقبل السيادة، والتوازنات الإقليمية، ومسار التطبيع. وبين النفي الرسمي والتسريبات الغربية، يبقى الجنوب السوري ساحة اختبار جديدة لإرادات القوى الكبرى، في بلد لم يخرج بعد من دوامة الحرب والتجاذبات الدولية.

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top