قبل أيام من اللقاء المرتقب في البيت الأبيض بين الرئيس السوري أحمد الشرع والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تتحرّك الساحة الدبلوماسية على نحوٍ متسارع يجمع السياسة والأمن في مسارٍ واحد، ففي مشروعٍ قدّمته الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن، تطلب واشنطن رفع العقوبات عن الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب، ووفقاً للنص الذي اطّلعت عليه وكالة “رويترز”، يحتاج القرار إلى موافقة تسعة من أصل 15 عضواً، مع عدم استخدام أي دولة دائمة العضوية لحق النقض، لم يُحدَّد موعد التصويت بعد، لكن توقيت الخطوة يوحي بتهيئة مناخٍ سياسي يسبق لقاء القمّة.
البيت الأبيض يثبّت الموعد
قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيلتقي الرئيس أحمد الشرع في العاشر من نوفمبر داخل البيت الأبيض، ضمن جهود “السعي لتحقيق السلام عبر الانخراط مع مختلف الأطراف”، هذا الإعلان يتقاطع مع تصريحات سابقة للمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توم براك، بشأن زيارة الشرع المتوقعة إلى واشنطن، ويأتي في ظلّ مساعٍ رئاسية للضغط على الكونغرس لمراجعة ما تبقّى من منظومة العقوبات التي ترى الإدارة أنها قد تُعطّل الحكومة السورية الجديدة.
تسريبات “رويترز” حول قاعدة عسكرية في دمشق
بالتوازي، نشرت “رويترز” نقلاً عن ستة مصادر أنّ الولايات المتحدة تستعد لإنشاء وجود عسكري في قاعدة جوية في دمشق، على مقربة من الجنوب السوري، بغرض تمكين اتفاق أمني تتوسط فيه واشنطن بين سوريا وإسرائيل، وبحسب التسريبات، جرى تسريع المهام الاستطلاعية خلال الشهرين الماضيين وتبيّن أنّ مدرج القاعدة جاهز للاستخدام الفوري، وأنّ الاستخدام المتوقَّع سيكون لوجستياً ورقابياً وإنسانياً، مع احتفاظ سوريا بالسيادة الكاملة على المنشأة، كما أُشير إلى مناقشة الخطوة خلال رحلة الأدميرال براد كوبر “القيادة المركزية الأمريكية” إلى دمشق في 12 سبتمبر، وإلى ضغوط أمريكية للتوصل إلى اتفاق قبل نهاية العام وربما قبل زيارة الشرع لواشنطن.
حضور الشرع في البرازيل (COP30)
على الضفة الدولية، يحضر الرئيس أحمد الشرع اليوم في البرازيل للمشاركة في قمة المناخ COP30 بمدينة بيليم، هذا الظهور يُقرأ كعودة دبلوماسية ناعمة عبر ملفّ جامع وغير خلافي نسبياً مثل المناخ والطاقة النظيفة، ويمنح الوفد السوري فرصة لقاءات ثنائية على هامش القمّة وبناء رسائل سياسية باتجاه عواصم معنية، بالتزامن مع الحراك الأمريكي في مجلس الأمن والبيت الأبيض، تزامن الحضور البيئي مع الملفات الأمنية يضيف وزناً رمزياً، سوريا لا تعود فقط عبر ترتيبات الأمن، بل أيضاً عبر أجندة عالمية مشتركة.
ما الذي يتشكل؟
بين مشروع رفع العقوبات وتثبيت موعد اللقاء من البيت الأبيض وتسريبات القاعدة في دمشق، يتبدّى أنّ المشهد يتّجه إلى إعادة معايرة لا إلى انقلابٍ شامل، تضييق مدروس لنطاق العقوبات لتمهيد تفاهمات أمنية جنوباً، مقابل التزامات ميدانية قابلة للقياس وآليات مراقبة أمريكية، وفي حال صحّت التسريبات، يبدو المقصود تثبيت “قواعد اشتباك” جديدة تمنح الأطراف هامش حركة منضبطاً وتضع الجنوب تحت رقابة تقنية تمنع الانزلاق.
نحن أمام لحظة اختبار، إذا تلاقت حركية مجلس الأمن مع واقعية البيت الأبيض وحضور دمشق الدولي في COP30، فقد يُفتح ممرّ سياسي أوسع أمام سوريا، ممرّ يخفّض منسوب التوتّر جنوباً ويعيد صياغة العلاقة مع واشنطن على قاعدة المصالح المتبادلة، أمّا إذا تعثّر التصويت أو تراجعت واشنطن تحت ضغط فيتو أو اعتراضات داخلية، فستعود لعبة الشكوك إلى الواجهة، لكن بفارقٍ جوهري هذه المرة، أنّ دمشق دخلت قاعة التفاهمات وهي على الطاولة، لا على الهامش.
- محمد قنو






