تتداول أوساط إعلامية معلومات عن استعداد الكنيست الإسرائيلي لمناقشة مشروع قانون يمنح ما يُعرف بـالبطاقة الزرقاء أو الإقامة الدائمة لعدد من أبناء محافظة السويداء السورية.
المشروع، الذي يقدم بواجهة اجتماعية وإنسانية، يخفي في جوهره أبعاداً سياسية خطيرة، إذ يسعى الاحتلال من خلاله إلى خلق ارتباط قانوني مباشر مع سكان داخل الأراضي السورية، بما يمهد لتكريس نفوذ ناعم في الجنوب السوري، سيتحول لاحقاً إلى نفوذ فعلي على الأرض.
ورغم أن الخطوة تبدو في ظاهرها محاولة لتعزيز الروابط بين الدروز في فلسطين المحتلة ودروز السويداء، إلا أن مضمونها الحقيقي أعمق وأخطر، فهي محاولة لاختراق البنية القانونية والاجتماعية لمنطقة حساسة في الجغرافيا السورية. فالإقامة الدائمة ليست مجرد امتياز إداري، بل اعتراف قانوني يمنح صاحبه حقوقاً مدنية داخل كيان الاحتلال، وهو ما يفتح الباب أمام احتمالات أخطر مستقبلاً، منها منح الجنسية لاحقاً، وما يستتبع ذلك من ذرائع لحماية المجنسين داخل الأراضي السورية.
ولا يمكن فصل هذه الخطوة عن تجارب مشابهة في المنطقة، حين أنشأ الاحتلال أدوات محلية لتنفيذ أجنداته، كما حدث مع جيش لحد في جنوب لبنان، الذي بدأ بوعود الحماية وانتهى كأداة مؤقتة سقطت مع أول اختبار حقيقي بعد انسحاب الاحتلال، تاركاً عناصره في المجهول.
اليوم، يبدو أن السيناريو ذاته يعاد بصيغة مختلفة في الجنوب السوري، عبر أدوات قانونية واجتماعية بدلاً من العسكرية.
إن تمرير هذا المشروع سيشكل سابقة قانونية بالغة الخطورة، لأنه يتيح للاحتلال مد سلطته القانونية إلى ما وراء حدوده، متجاوزاً مبادئ القانون الدولي التي تؤكد على احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها. ومن هنا، فإن على الدولة السورية التعامل مع هذه الخطوة بجدية قصوى، عبر تحرك دبلوماسي وقانوني واضح، يبدأ بمخاطبة الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية لفضح هذا الانتهاك الصريح لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة.
كما يفترض أن يواكب التحرك الرسمي وعي شعبي داخل السويداء، فالإقامة التي تُعرض اليوم تحت عنوان اجتماعي، ليست سوى أداة لفك الارتباط بالدولة السورية تدريجياً. والتجارب السابقة تؤكد أن من يراهن على الاحتلال سرعان ما يجد نفسه أول الخاسرين حين تتغير المصالح.
إن ما يجري في السويداء يتجاوز بعدها المحلي، فهو اختبار جديد لمدى صلابة الدولة السورية وقدرتها على الدفاع عن سيادتها أمام أدوات “النفوذ الناعم”. الرد المطلوب ليس انفعالياً، بل مؤسسياً ومدروساً، يجمع بين التحرك الدبلوماسي والتوعية الوطنية. فالدفاع عن السيادة لا يتم فقط في المحافل السياسية، بل في وعي المواطنين أنفسهم.
الاحتلال يحاول أن يظهر في ثوب( الحامي)، بينما يسعى في الحقيقة إلى تمزيق النسيج الوطني وفرض واقع جديد في الجنوب السوري. لذلك، فإن أي تهاون اليوم قد يتحول إلى تنازل غداً، وأي ورقة تُمنح باسم (التواصل الاجتماعي) ستستخدم لإعادة رسم الحدود والسيادة.
إن حماية الأرض تبدأ من رفض أي شكل من أشكال الارتباط مع الاحتلال، مهما كانت المبررات أو الشعارات، لأن السيادة لا تجزأ… ولا تدار من الخارج.






