جرفات وقوة اسرائيلية في ريف القنيطرة الأوسط خاص جولان

 

في مناطق الشريط الحدودي ” المنطقة العازلة بحسب اتفاقية 1974″ الممتدة شمالي القنيطرة لجنوبها، يظل المشهد الأمني مشوباً بالتوتر والترقّب، حيث تتحرك قوات الاحتلال الإسرائيلي في خط وقف إطلاق النّار مع الجولان المحتل كما لو كانت تعمل داخل منطقة نفوذ مفتوحة، وسط صمت دولي وتراجع واضح لدور بعثات المراقبة الأممية. فعلى امتداد الخط الفاصل، تتكرّر التحركات الميدانية الإسرائيلية من دوريات مدرعة واستطلاعٍ جوي مكثف، وصولاً إلى أعمال تجريفٍ تطال الأراضي الزراعية والمناطق الحراجية، ما يحوّل الهدوء النسبي الذي يخيّم على الجبهة إلى غطاء هشّ لعمليات مستمرة على الأرض.

وخلال الأيام الأخيرة، تصاعدت وتيرة التوغلات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية المحاذية للجولان المحتل بشكل ملحوظ. فقد رُصدت قوة عسكرية مؤلفة من 11 آلية إسرائيلية تتوغل في محيط بلدة صيدا الحانوت بريف القنيطرة الجنوبي، في حين نفذت وحدات أخرى عمليات تمشيط قرب أوفانيا وجباتا الخشب ترافقها جرافات عسكرية قامت بتجريف أكثر من مئة دونم من الأراضي الطبيعية. 

في سياق المشهد أطلقت وحدات إسرائيلية قنابل مضيئة فوق منطقة جباتا الخشب، لتكشف السماء عن مشهد يتجاوز مجرد إنارةٍ تكتيكية، إذ سرعان ما اشتعلت النيران في مساحاتٍ من الغطاء النباتي، بينما ظلت القنابل تتوهج فوق المنطقة كرسالة تحذيرية أكثر منها إجراءً أمنياً. وتزامن ذلك مع تحليق طائرات استطلاع مسيّرة فوق الريف الشمالي للقنيطرة، في نشاط أصبح جزءاً من المشهد اليومي المألوف لسكان المنطقة الذين اعتادوا مراقبة السماء أكثر من الأرض.

لكن اللافت في التحركات الإسرائيلية الأخيرة ليس فقط تكثيف المراقبة الجوية، بل توسيع نطاق الدوريات البرية لتصل إلى نقاط قريبة من مواقع قوات الأمم المتحدة العاملة هناك. فقد شوهدت آليات ودبابات “ميركافا” إسرائيلية تصل حتى أحد الحواجز الدولية من دون أي تفاعل ميداني من تلك القوات، في مشهد يعكس تآكل الحدود بين الدور الأممي وحدود النفوذ العسكري الفعلي على الأرض.

في المقابل، يشكو السكان المحليون من ممارسات ترهيب متكررة يقوم بها الجنود الإسرائيليون أثناء إقامة حواجز مؤقتة على الطرق الواصلة بين القرى الحدودية، حيث تُسجّل عمليات تفتيش مهينة واعتداءات جسدية تحت ذرائع أمنية، وصلت لحدّ السرقات ” وتعفيش البيوت” كما امتدت التجاوزات إلى البيئة الطبيعية نفسها، بعد أن جرفت الجرافات الإسرائيلية خلال الأيام الماضية أكثر من مئة دونم من محمية جباتا الخشب، وهي واحدة من آخر المساحات الحراجية التي حافظت على تنوعها البيئي في المنطقة.

وفي حين تصرّ تل أبيب على وصف تلك التحركات بأنها “إجراءات احترازية” لتأمين حدودها، يراها مراقبون توسعاً تدريجياً في مجال السيطرة، خصوصاً بعد التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي التي أقر فيها بوجود بلاده داخل أجزاء من الأراضي السورية، مشدداً على أن قواته “ستبقى في جبل الشيخ” وأن الهدف هو التوصل إلى اتفاق يضمن منطقة منزوعة السلاح في الجنوب السوري، كحديثه عن “حماية الدروز” بدا للكثيرين غطاءً سياسياً وذريعة لمواصلة تثبيت واقع ميداني جديد على الأرض.

يعيش المدنيون في القرى المتاخمة للجولان ” القرى الأماميّة” بين واقع أمني متقلب وآمال معلقة على مسار دبلوماسي يعيد الاستقرار إلى منطقتهم. فبعد سنوات من الثورة وتبدّل موازين القوى، باتت هذه المجتمعات المحلية تدرك أن إنهاء الوجود العسكري الإسرائيلي لن يتحقق إلا ضمن إطار أممي منظم يضمن انسحاباً كاملاً واستعادة السيادة الكاملة للدولة على أراضيها. ومع أن إرث المرحلة السابقة وما خلّفه النظام البائد، ما زال يلقي بظلاله الثقيلة على الجنوب السوري عموماً، فإن سكان القنيطرة ينتظرون اليوم حلولاً واقعية تضع حداً لحالة اللايقين وتعيد لحياتهم الطبيعية استقرارها المفقود.

 

  • فريق التحرير

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top