قوات سوريا الديمقراطية قسد مواقع تواصل

في ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها الساحة السورية، يطفو على السطح مجدداً ملف دمج قوات سوريا الديمقراطية ضمن الجيش السوري، ككتلة واحدة لا كأفراد أو مجموعات صغيرة. هذا الطرح الذي أعاد إبرازه مظلوم عبدي في تصريحاته الأخيرة، لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي والدولي، ولا عن تعقيدات البنية العسكرية والأمنية في سوريا ما بعد الحرب. ففكرة الدمج ليست مجرد إجراء تنظيمي، بل مشروع سياسي وأمني بالغ الحساسية، تتداخل فيه الحسابات السيادية مع التوازنات الداخلية والخارجية.

عبدي أعلن عن اتفاق مبدئي مع دمشق، يتيح لقسد الانضمام إلى الجيش السوري “كقوة متماسكة”، مع توقعات بالحصول على مناصب قيادية في وزارة الدفاع. هذا التصور، وإن بدا من حيث الشكل خطوة نحو إعادة توحيد المؤسسات، إلا أنه يثير جملة من الإشكاليات. فدمشق، التي لم تصدر موقفاً رسمياً حاسماً، تفضل الدمج الفردي أو المرحلي، وتتحفظ على فكرة الكتلة المستقلة داخل الجيش، لما تحمله من مخاطر على وحدة القيادة والسيطرة، ولما تثيره من حساسيات تتعلق بالسيادة والقرار العسكري.

في المقابل، يبرز الموقف التركي بوصفه عاملاً ضاغطاً ومحدداً لمسار هذا الملف. أنقرة، التي تعتبر قسد امتداداً لحزب العمال الكردستاني، ترفض بشكل قاطع أي صيغة تضمن بقاءها كقوة مسلحة أو محتفظة بسلاح ثقيل. التصريحات التركية المتكررة تؤكد أن أي تسوية لا تشمل تفكيك قسد ونزع سلاحها ستُعتبر تهديداً مباشراً للأمن القومي التركي، ما يضع دمشق أمام معادلة صعبة: إما استيعاب قسد وفق شروطها، أو مواجهة تصعيد تركي محتمل.

لكن الإشكالية لا تتوقف عند الموقف التركي، بل تمتد إلى داخل قسد نفسها. فالتقارير الحقوقية تشير إلى استمرار تجنيد الأطفال والنساء، خصوصاً عبر مجموعات مثل “الشبيبة الثورية”، وهي ممارسات تتناقض مع المعايير الوطنية والإنسانية، وتستوجب تنقية الصفوف قبل أي اندماج رسمي. كما أن وجود عناصر مرتبطة بقنديل داخل البنية القيادية لقسد يطرح تساؤلات جدية حول استقلالية القرار، ويضعف أي محاولة لبناء عقيدة قتالية وطنية بعيدة عن الأجندة الكردية العابرة للحدود.

من جهة أخرى، فإن الحديث عن خبرة قسد القتالية يجب أن يُقرأ بواقعية. فرغم مشاركتها في معارك ضد تنظيم داعش، إلا أن هذه المعارك جرت تحت غطاء جوي أمريكي، وضمن بيئة عملياتية محدودة. في المقابل، خاضت فصائل الجيش الوطني وهيئة تحرير الشام معارك مباشرة ضد النظام والميليشيات الإيرانية، ما أكسبها خبرة ميدانية أوسع وأكثر تعقيداً. وبالتالي، فإن طرح قسد كمكون قتالي متفوق لا يصمد أمام المقارنة الموضوعية، ولا يبرر منحها مناصب قيادية دون إعادة تأهيل وتقييم.

إن خطورة بقاء قسد ككتلة واحدة داخل الجيش السوري لا تكمن فقط في البنية التنظيمية، بل في ما تحمله من دلالات سياسية. فالإبقاء على كتلة مسلحة مستقلة، حتى لو أُدرجت شكلياً ضمن الجيش، يعني تكريس الانقسام، وإبقاء القرار العسكري عرضة للتجاذبات الداخلية والخارجية. كما أن ذلك يفتح الباب أمام إعادة إنتاج الصراع تحت غطاء جديد، ويُبقي على مظاهر التسلح خارج المؤسسة الرسمية.

لذلك، فإن أي مشروع لدمج قسد يجب أن يُبنى على أسس واضحة: تفكيك البنية الحزبية، نزع السلاح الثقيل، تطهير الصفوف من الانتهاكات، وإعادة بناء العقيدة القتالية على أساس وطني جامع. دون ذلك، سيبقى الدمج مجرد مناورة سياسية، لا تؤسس لوحدة حقيقية، ولا تضمن استقراراً مستداماً.

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top