هضبة الجولان السوري المحتل

منذ احتلال إسرائيل لهضبة الجولان عام 1967، تحوّل هذا الإقليم إلى محورٍ أساسي في معادلة الصراع والسلطة في سوريا والمنطقة. فالجولان، بموقعه الاستراتيجي المطل على الجليل وبحيرة طبريا، وبقربه من العاصمة دمشق، أصبح أحد المفاتيح الجوهرية التي تحدد طبيعة التوازن بين بقاء النظام في سوريا على مدى أكثر من نصف قرن، وبين أمن الاحتلال الإسرائيلي.

لقد شكّل الجولان فعلياً بيضة القبان في ميزان الحكم السوري.
فالنظام السوري البائد استخدم قضية الجولان كذخيرة سياسية وورقة شرعية يرفع من خلالها شعارات “المقاومة والممانعة” لتثبيت سلطته داخلياً، وقمع أي حراك سياسي معارض، تحت ذريعة أن البلاد “دولة مواجهة”، من دون أن يجرؤ يوماً على خوض مواجهة فعلية لتحرير الأرض.

وفي المقابل، أدركت القوى الدولية والإقليمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، أن استقرار الجولان يشكّل الضامن الأساسي لتهدئة الجبهة السورية. وبات هذا الهدوء بمثابة شرط غير معلن لاستمرار أي نظام حاكم في دمشق، حيث فرضت الجغرافيا السورية المحاذية للاحتلال نوعاً من الوصاية الأمنية غير المباشرة، جعلت أمن الاحتلال جزءاً من معادلة بقاء السلطة في سوريا.

فكل تغيّر في ميزان القوى الداخلي السوري كان يُقاس أولاً بمدى انعكاسه على أمن الاحتلال، ما جعل الجولان ورقة مقايضة دائمة في الحسابات الدولية: فلا حرب خاضها أحد لاستعادته، ولا سلام أُبرم أعاده فعلياً.

أما الخاسر الأكبر في هذه المعادلة، فهم المدنيون الأصليون للجولان الذين هُجّر معظمهم عام 1967 من نحو 130 قرية ومزرعة إلى مناطق درعا ودمشق وريفها وحمص، ولم يُسمح لهم بالعودة إلى أراضيهم حتى اليوم. هؤلاء تحوّلوا إلى رمزٍ لصمودٍ منسيٍّ ومهمَّش، بينما بقيت قضيتهم خارج دائرة الاهتمام العملي، سواء من قبل دمشق أو من المؤسسات الدولية.

وقد ظلّ النظام البائد يرفع شعار التحرير دون أن يتحمل كلفة المواجهة، في حين استثمر الاحتلال الإسرائيلي هذا الواقع لتحقيق استقرارٍ حدودي طويل الأمد يخدم مصالحه الأمنية.

وهكذا، بات الجولان شاهداً حياً على تواطؤ الصمت الدولي، وحسابات البقاء الداخلي، ومأساة التهجير الإنساني التي لم تجد من يُنصفها حتى اليوم.

 

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top