الرئيس أحمد الشرع مع الرئيس فلادمير بوتين

وصل السيد الرئيس “أحمد الشرع” إلى موسكو اليوم الأربعاء في زيارة رسمية هي الأولى من نوعها منذ سقوط النظام، ضمن وفد رفيع المستوى ضم كلاً من وزيري الخارجية والدفاع وبعض كبار المسؤولين.
زيارة استثنائية تحمل طابعاً كبيراً من الندية رغم الصورة الودية التي ظهر فيها كل من الرئيسين “فلاديمير بوتين وأحمد الشرع”.
زيارة فتحت صفحة جديدة بين موسكو ودمشق لإقامة علاقات جديدة على أساس التفاهم والشراكة الاستراتيجية والثقة والاحترام المتبادل، وتأكيد على عمق العلاقة بين البلدين التي يتجاوز عمرها أكثر من ثمانية عقود.

وخلال الزيارة ناقش الوفدان إعادة النظر في ترتيب العلاقات السورية الروسية في جميع الملفات دبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً.
جهود دبلوماسية كبيرة بذلتها كل من الخارجية السورية والخارجية الروسية لإعادة بناء هذه العلاقات بشكل إيجابي، فالدبلوماسية السورية تسعى للتموضع الصحيح والسليم لسوريا على الخارطة الدولية بعد سقوط النظام، خصوصاً بعد فتور العلاقات مع موسكو التي تعتبر قطباً عالمياً في ظل متغيرات متسارعة في الشرق الأوسط، وبهدف إعادة دمج سوريا في نسق أكثر استقراراً مع مختلف الدول، وخصوصاً الدول الكبرى.
وروسيا تحاول من خلال سوريا أن تحافظ على دورها ووجودها السياسي والعسكري في منطقة هامة جداً في الشرق الأوسط، وأن يكون لها عمق استراتيجي في المياه الدافئة عبر قواعدها العسكرية على الساحل السوري.

إذاً هي علاقات جديدة مختلفة تماماً عن الطابع القديم الذي انتهجه النظام المخلوع، الذي جعل سوريا دولة تابعة ومحسوبة على دول أيتام الاتحاد السوفييتي، دولة كانت منغلقة في تحالفات دولية منعزلة هدفها الأساسي حماية النظام البائد نفسه وتحقيق مصالح دول خارجية على حساب مصالح سوريا.

أما السياسة الخارجية والدبلوماسية السورية الجديدة اليوم، فهي تقوم على نهج هادئ متوازن هدفه ترسيخ الاستقرار داخلياً وإقليمياً ودولياً، والجمهورية السورية اليوم تسير على خط رفيع من الدبلوماسية التي تهدف إلى إعادة دور سوريا الهام إقليمياً وجيوسياسياً في ظل حالة الصراع العالمي على موقع سوريا الجيوسياسي والاستراتيجي.

سبق هذه الزيارة تصريح للرئيس “أحمد الشرع” لقناة CBS الأميركية، أوضح فيه شكل العلاقة السورية مع الدول الكبرى وفق مصالح وأهداف الدولة السورية،
ذكر فيه: «سوريا اليوم ذهبت في علاقات هادئة مع روسيا والصين مبنية على المصالح الاستراتيجية، علاقتنا مع روسيا لا تتعارض مع علاقتنا مع الغرب أو الولايات المتحدة، روسيا والصين أرسلتا لنا رسائل إيجابية، وشكر الرئيس ترامب حين قال إن ترامب يدرك أن سوريا يجب أن تكون آمنة وموحدة ومستقرة، لذلك اتخذ قراراً تاريخياً برفع العقوبات»

في الوقت نفسه، تأتي هذه الزيارة بعد أقل من شهر على زيارة الرئيس “أحمد الشرع” لنيويورك، والزيارة لموسكو لا تقل أهمية عن زيارته السابقة لنيويورك التي فتحت أبواب الدول الغربية سياسياً واقتصادياً أمام سوريا، وكذلك زيارة موسكو ستفتح أبواباً مختلفة مثل الصين ودول شرق ووسط آسيا أمام الدولة السورية الجديدة.

زيارة موسكو سينتج عنها كثير من التفاهمات قد تجري على مرحلتين:
المرحلة الأولى: الاتفاق على ترتيبات سياسية ودبلوماسية وأمنية بين سوريا وروسيا، ثم الانتقال إلى المرحلة الثانية التي سينتج عنها اتفاقات عسكرية واستثمارية واقتصادية وتنموية.

سوريا تدرك تماماً أهمية دور روسيا في أي اتفاق أمني وعسكري مع إسرائيل، وخصوصاً في ترتيبات المنطقة العازلة في الجنوب السوري، وتدرك دور وتأثير روسيا في ملفات حساسة أمنياً وداخلياً مثل مشكلة الخلاف بين الدروز والبدو في محافظة السويداء، وملف أتباع النظام البائد من الفلول في منطقة الساحل السوري، وملف الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا وتنظيم «قسد»، وتدرك تماماً أهمية الاستفادة من العلاقات الروسية التركية في أي تحالفات سياسية وإقليمية مستقبلاً. كما تريد سوريا من روسيا الاعتذار للشعب السوري وتعويضه عن حجم الدمار والخراب الذي ساهمت فيه آلة الحرب الروسية، بالإضافة إلى طلب سوريا مساعدة روسيا للمشاركة في ملف العدالة الانتقالية وتسليم الرئيس المجرم بشار الأسد وجميع ضباط النظام البائد الهاربين إلى روسيا والمسؤولين عن إبادة الشعب السوري، إلى جانب بحث ملف الديون والعلاقات الاقتصادية والاستثمارية والتنموية وعقود التسليح للجيش السوري الجديد.

وروسيا تدرك تماماً أن سوريا بلد هام جداً لها في علم الجيوبوليتك السياسي والعسكري، بالإضافة إلى أهمية سوريا في مجال الطاقة، فهي بيئة خصبة للاستثمار. لذلك يجب أن تكون العلاقة طيبة معها، والتعاون في مكافحة الإرهاب وتثبيت الاستقرار والتوازن الدولي والسلام في المنطقة، وخصوصاً أن روسيا تريد الحفاظ على صورتها كدولة قوية، ولا تريد خسارة سوريا وأن تخرج بصورة بلد مهزوم منها بعد سقوط حليفها الأسد، وخصوصاً بعد الوضع الصعب الذي تواجهه أيضاً في أوكرانيا.

ووفقاً لمعطيات، فإن تركيز الطرفين ينصب على مستقبل الوجود العسكري الروسي في سوريا، في إطار صياغة آليات جديدة للتعاون في المجال العسكري بما يضمن تلبية مصالح الطرفين. وفي وقت سابق، قال مصدر روسي لـ«الشرق الأوسط» إن موسكو أبدت استعداداً للمساهمة في إعادة تأهيل الجيش السوري ووضع برنامج تسليح في إطار توافقات تحدد مهاماً جديدة للوجود العسكري الروسي في سوريا على غرار وجود القاعدة الروسية المتكاملة في طاجيكستان، في مقابل إطلاق برنامج تسليحي وتدريبي شامل للجيش الطاجيكي.

كما أن موسكو تسعى للتوافق مع دمشق على وضع منهجية جديدة للمهام الإقليمية التي يتولاها الحضور العسكري الروسي الجوي (في حميميم) والبحري (في طرطوس). وفي هذا المجال أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الاثنين، أن سوريا مهتمة بالحفاظ على القواعد العسكرية الروسية في طرطوس وحميميم، ويمكن إعادة توظيفها باعتبارها مراكز إنسانية.

وقال لافروف: «الجانب السوري مهتم بالحفاظ على قواعدنا العسكرية في طرطوس وحميميم. وكما قال الرئيس بوتين، فإننا ننطلق من تلبية مصالح الدولة المضيفة، الجمهورية العربية السورية».
وأضاف الوزير أنه في ظل الظروف الجديدة، يمكن لهذه القواعد أن تلعب دوراً مختلفاً بدلاً من كونها مواقع عسكرية.
وأكد: «بالنظر إلى الحاجة إلى توفير تدفقات إنسانية إلى أفريقيا، يمكن أن تكون هذه القواعد البحرية والجوية مراكز إنسانية لإرسال الإمدادات الإنسانية إلى هناك، بما في ذلك إلى منطقة الصحراء والساحل وغيرها من الدول المحتاجة».

من جهة أخرى، شعبياً، هناك حالة استياء شعبية بين السوريين بسبب الانطباع السيئ الذي خلفته روسيا لدى الشعب السوري خلال فترة الثورة لدعمها لنظام الطاغية المجرم بشار الأسد، وهذا ما ترك جرحاً لم يندمل ويحتاج وقتاً طويلاً للالتئام ووقتاً أطول لبناء الثقة. بينما ترى روسيا أن تجربة اندماج الشعبين السوري والروسي تاريخية، وهناك استفادة من الجالية السورية في روسيا وبالعكس، وهذا عامل قوة وبناء يعزز العلاقة بين البلدين.

بين كل هذه المعطيات، تحاول الحكومة السورية، من أعلى المستويات وحتى أصغر دبلوماسي فيها، التوفيق بين مصالح سوريا داخلياً وخارجياً، واستغلال أي فرصة تعود بالنفع على الشعب السوري.

 

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top