وصل الرئيس السوري أحمد الشرع إلى موسكو في زيارة أولى تحمل ملفات الدفاع والاقتصاد والجنوب السوري، وسط حديث عن ترتيبات أمنية محتملة ودور روسي «ضامن» وخيارات متوازنة بين الشراكة مع موسكو والانفتاح العربي‑الغربي.
نقلت وكالة الأنباء السورية وصول الرئيس أحمد الشرع إلى موسكو لإجراء مباحثات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، على جدولها العلاقات الثنائية و«المستجدات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك»، وتصف أوساط سياسية الزيارة بأنها الأهم منذ تولّيه المنصب، نظراً لثقل الملفات وحساسية التوقيت.
بحديثه لموقع مؤسسة جولان يرى الصحفي “عبدالحي الأحمد”: الهدف المباشر هو كسر الجليد… والهدف الأبعد مدى هو وجود الروس كبديلٍ مقبول نوعاً ما عن النفوذ التركي، خاصةً جنوباً، مشيراً إلى إرثٍ من عقود التسليح ومنظومات الدفاع الجوي، وقواعد حميميم وطرطوس، والنشاط الروسي في مطار القامشلي.
ملفات «ساخنة» على الطاولة
يحمل الوفد السوري الذي يضم وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة ومسؤولين عسكريين واقتصاديين سلّة قضايا حاسمة:
مستقبل القاعدتين الروسيتين في طرطوس وحميميم بوصفهما ركيزتين بحريّة وجويّة لروسيا شرق المتوسّط.
إعادة تسليح الجيش وهيكلته ضمن رؤية العهد الجديد.
حزمة اقتصادية تشمل الطاقة والاستثمار والقمح وإعادة الإعمار مع مراجعة الاتفاقيات السابقة.
ملف قضائي يتمثل في طلبٍ رسمي بتسليم الرئيس السابق بشار الأسد لمحاكمته أمام القضاء السوري.
كما يتضمن البرنامج لقاءً لأفراد من الجالية السورية في روسيا.
اختبار متانة العلاقة… وتوازنات جديدة
تُمثّل الزيارة اختباراً عملياً لمتانة الشراكة بعد التحوّل السياسي في دمشق، مع رغبة مُعلنة في تنويع الشراكات غرباً وخليجياً دون قطع الجسور مع موسكو، وتأتي عقب اتصالات رفيعة خلال الشهرين الماضيين عكست رغبة متبادلة في إعادة تعريف الأدوار وتثبيت المصالح على أسس واضحة.
يقدّر “الأحمد” وجود اتفاق جاهز سبق اللقاءات الرئاسية: «لقاءات الرؤساء لا تتم إلا بعد تفاهمات على مستويات أدنى»، لافتاً إلى غياب أي مؤتمر صحفي حتى الآن، ما قد يعني بقاء نقاط قيد التباحث.
الجنوب السوري: «ضامن» روسي وخفض تصعيد؟
يتصدر الجنوب السوري أجندة البحث بسيناريو عودة انتشار الشرطة العسكرية الروسية على خطوط التماس القريبة من الجولان، مع نقاط مراقبة محتملة وترتيبات لضبط الحدود وتقليص هامش التدخلات الخارجية،
يَعدّ “الأحمد” هذا الطرح «مطروحاً بقوة» بالنظر إلى خبرة موسكو في اتفاق 2018 مع الولايات المتحدة والأردن، وكونه خياراً «واقعياً ومقبولاً» لدى إسرائيل والجوار.
يضيف “الأحمد” أن الانتشار الروسي قد يساهم في إبعاد النفوذ التركي جنوباً، ويُمهد لاتفاقات أمنية لاحقة في ظل علاقة «غير ثابتة» بين الحكومة السورية وإسرائيل وحديث عن ترتيبات وقف إطلاق نار غير دائمة.
الشمال والشرق: حضور «مرن» بتكاليف منخفضة
خارج الجنوب، تواصل موسكو نهج الحضور المرن: وجود محدود في مطار القامشلي ودوريات متقطّعة في شمال شرق سوريا، مع إبقاء قنوات تواصل تكتيكية مع «قسد»، ريثما تتضح معالم العلاقة مع دمشق وحجم الوجود الأميركي شرق الفرات.
الاقتصاد: مراجعة العقود وتحديث الأولويات
اقتصادياً، تبحث الزيارة مراجعة اتفاقيات الطاقة والنفط والقمح وإعادة الإعمار، مع إدخال معايير شفافية وضمانات تنفيذ، وتبدو اللغة الرسمية السورية أقرب إلى مقاربة الموازنة بين شراكة طويلة مع موسكو وفتح نوافذ تعاون مع شركاء جدد، بما يخدم تمويل الإعمار ودفع عجلة الاقتصاد.
الملف القضائي: إشارة داخلية ورسالة خارجية
يحمل إدراج تسليم بشار الأسد رمزية مزدوجة:
داخلياً: طمأنة الرأي العام إلى جدّية مسار العدالة الانتقالية.
خارجياً: تأكيد أن الأولويات تغيّرت وأن الشراكات المقبلة تُبنى على أسس قانونية واضحة.
يذكر “الأحمد” أن هناك مطالبات نُسبت إلى «رويترز» بتقديم الجانب السوري طلب لروسيا لتسليم الأسد، لكنه يستبعد حدوث ذلك حالياً لـ«تداعياته على صورة موسكو وحلفائها».
رسائل متبادلة… دون قطيعة
تسعى موسكو إلى طمأنة الشريك السوري بالرغبة في إبقاء القاعدتين ضمن تفاهمات رسمية، مع نفيٍ للشائعات التي طالت مكان إقامة الرئيس السابق، في المقابل تحرص دمشق على أن الانفتاح على شركاء جدد لا يعني قطيعة مع روسيا، بل إعادة تموضع تراعي مصالح الطرفين ومقتضيات الأمن القومي السوري.
السيادة والحساسية الإسرائيلية: إدارة مشتركة
يرى “الأحمد” إمكانية إدارة الحساسية الإسرائيلية وخاصة رفض أي وجود تركي/فصائلي جنوباً عبر ضمانات دولية ووجود قوات الأندوف التابعة للأمم المتحدة ودوريات للشرطة العسكرية الروسية، «دون تعارض مع متطلبات السيادة السورية»، في ظل هشاشة الدولة وحاجتها إلى العون داخلياً وخارجياً.
لا تعارض مع الانفتاح العربي‑الغربي؟
بحسب “الأحمد”، الشراكة مع موسكو ضمن أطر محددة لا تتعارض مع مساعي دمشق لـتنويع العلاقات عربياً وغربياً، بل قد تكون ضرورة جيوسياسية بحكم موقع سوريا كعقدة مرور للتجاذبات والمصالح (روسيا، العرب، إيران، تركيا، إسرائيل)، نقطة الخلاف تبقى في درجة التواجد الروسي واحترامه للسيادة السورية وعدم تعارضه مع مصالح الآخرين، مع احتمال أن يحظى ذلك بدفع عربي وغربي لخلق توازن داخل سوريا.
واشنطن وأوروبا: أثرٌ مشروط بتطورات أوسع
لا يتوقع “الأحمد” تأثيراً مباشراً على العلاقة مع الولايات المتحدة وأوروبا في المرحلة الراهنة، لكن في حال اتسعت رقعة الصراعات في الشرق الأوسط أو أوروبا أو شرق آسيا أو حتى فنزويلا، فقد تدخل سوريا مرحلة صراعات جديدة إذا تداخلت مصالح القوى الفاعلة.
تشير المعطيات وفق قراءة “الصحفي عبدالحي الأحمد” إلى زيارةٍ ترمي إلى إذابة الجليد وإطلاق هندسة نفوذ تُقدّم موسكو كضامنٍ أمني محتمل جنوباً، مع مراجعة دفاعية‑اقتصادية وإشارات قضائية لداخل الجمهور وخارجه، ويبقى الاختبار في ترجمة التفاهمات إلى ترتيبات ميدانية ونصوص معلنة خلال الأسابيع المقبلة.
وفي الختام تضع زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى موسكو اختباراً مبكراً لقدرة دمشق وموسكو على تحويل «إذابة الجليد» إلى ترتيبات ملموسة في الأمن والدفاع والاقتصاد، فنجاح الرهان على دورٍ روسي «ضامن» جنوباً، ومراجعة عقود الطاقة والتسليح، وإشارات العدالة الداخلية، سيُقاس بما سيصدر من نصوص مُعلنة وخطوات ميدانية قابلة للمتابعة: انتشار شرطة عسكرية، آليات مراقبة وحدود، وجداول تنفيذ اقتصادية واضحة، وبين رغبة دمشق في تنويع الشراكات عربياً وغربياً والحفاظ على شراكة مع موسكو، تبدو المعادلة دقيقة لكن ممكنة متى احترمت حدود السيادة وتقاطعات المصالح، خلال الأسابيع المقبلة، سيكشف بيانٌ مشترك أو ترتيبات على الأرض ما إذا كانت الزيارة قد رسمت مساراً جديداً أم مجرد هدنة سياسية بانتظار تفاهمات أوسع.
- محمد قنو