u18-img-20250927160731-b5804

وقف الرئيس السوري أحمد الشرع على منبر الأمم المتحدة في نيويورك ليسجل لحظة مفصلية في تاريخ سوريا. لم يكن حضوره مجرد مشاركة دبلوماسية، بل كان تتويجًا لمسار الثورة الطويل الذي انتهى بإسقاط نظام بشار الأسد وقيادة معركة تحرير دمشق وإعلان انتصار الثورة السورية. ومع خطابه الأول على منبر المنظمة الدولية، قدم الشرع إدانة صريحة للنظام الساقط وجرائمه، بالأرقام والوقائع، ليؤكد أن سوريا الجديدة لن تقوم إلا على الحقيقة والمحاسبة، وأنها عادت لتأخذ مكانها الطبيعي بين الأمم.

أولاً: إدانة النظام الساقط بالأرقام والوقائع

في كلمته، حمل الشرع نظام بشار الأسد مسؤولية الكارثة الوطنية، وأعلن بالأرقام:

  • قتل ما يقارب مليون سوري.
  • تشريد نحو 14 مليون إنسان بين نازح ولاجئ.
  • تدمير ما يقارب مليوني منزل.
  • ارتكاب أكثر من 200 هجوم كيميائي موثق.

بهذه اللغة المباشرة، وضع الشرع الحقيقة أمام العالم: أن سوريا لا يمكن أن تُبنى إلا على مواجهة جرائم النظام السابق، وإغلاق صفحة حكمه سياسيًا وعسكريًا.

ثانياً: كسر العزلة الدولية

لقاءات رفيعة المستوى

  • الولايات المتحدة: التقى الشرع بالرئيس دونالد ترامب ووزير الخارجية ماركو روبيو. ترامب لمح إلى إعلان مهم بشأن سوريا، في إشارة إلى انفتاح أمريكي محتمل على رفع العقوبات والدخول في ترتيبات أمنية جديدة.
  • فرنسا: التقى بالرئيس إيمانويل ماكرون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، حيث جرى الحديث عن وحدة سوريا والعلاقات الثنائية (بحسب ما نقلته وسائل الإعلام، دون صدور بيان رسمي كامل).
  • إيطاليا والاتحاد الأوروبي: رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أعلنتا دعم مشاريع إعادة الإعمار.
  • قطر: اجتماع مع الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، استمرارًا لدور الدوحة في الملف السوري، من دعم الثورة سابقًا إلى دعم سوريا الجديدة اليوم.
  • أوكرانيا: لقاء مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي انتهى باستئناف العلاقات الدبلوماسية.
  • باكستان: لقاء مع وزير الخارجية محمد إسحاق دار أكد رغبة بلاده في تعزيز التعاون التجاري والتنمية المشتركة.

بهذا الزخم، استعادت سوريا موقعها كفاعل إقليمي ودولي، لا كدولة معزولة.

ثالثاً: ملف العقوبات والإعمار

الشرع وصف العقوبات، ولا سيما “قانون قيصر”، بأنها سلاح جماعي ضد الشعب السوري. وأكد أن استمرارها يعيق إعادة الإعمار ويضاعف معاناة السوريين.

الشكر للداعمين

وجه شكرًا خاصًا إلى:

  • السعودية، قطر، وتركيا على دعمهم.
  • الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على مساعداتهم في ملف اللاجئين.
  • المنظمات الإنسانية التي أسهمت في التخفيف من آثار العقوبات.

البعد الاقتصادي

  • طرح مشاريع لإعادة الإعمار.
  • اهتمام أوروبي وخليجي متزايد بالاستثمار في سوريا.
  • أي انفراج بالعقوبات يعني بداية تحسن في حياة السوريين اليومية.

رابعاً: وحدة سوريا ومواجهة الانفصال العلني

بينما ظلت قسد تراوغ لسنوات بين شعارات “الإدارة الذاتية” و”اللامركزية” و”الفيدرالية”، دون أن تعلن مشروع انفصال رسمي، فإنها وقعت اتفاقًا واضحًا مع دمشق في آذار/مارس 2025، يضعها أمام مهلة حتى كانون الأول/ديسمبر 2025 للاندماج الكامل في مؤسسات الدولة. وإذا لم تُنفذ، فإن الجيش السوري – بالتنسيق مع تركيا – أعلن استعداده للتحرك ميدانيًا.

على النقيض، برز في السويداء وضع مختلف تمامًا: فقد أعلنت بعض المجموعات نفسها في حالة انفصالية علنية، واستقوت بإسرائيل عبر قنوات سياسية وإعلامية. هذا التطور وصفته دمشق بأنه خروج على الدولة وتحالف مع العدو المحتل، وأكدت أن وحدة سوريا خط أحمر لا يقبل المساومة.

وهنا يتبدى الفرق بين مراوغة قسد التي انتهت باتفاق اندماج، وبين إعلان الانفصال المباشر في السويداء. وفي الحالتين، يبقى موقف الدولة السورية واضحًا لا لبس فيه: سوريا واحدة، موحدة، لا مكان فيها لكيانات منفصلة أو محميات خارجية.

خامساً: البعد الديني والروحي

  • بطاركة الكنائس السورية دعوا إلى مصالحة وطنية شاملة ورفع العقوبات.
  • الحاخام يوسف حمرا، الحاخام الأكبر للطائفة اليهودية السورية في نيويورك، وجه رسالة إلى الكونغرس طالب فيها بإلغاء قانون قيصر.

هذا التلاقي بين أصوات مسيحية ويهودية وسنية عكس صورة سوريا المتنوعة، حيث تتوحد المكونات خلف هدف واحد: رفع العقوبات وبناء الاستقرار.

سادساً: البعد الشعبي

مشاركة الجالية السورية في نيويورك، بمن فيهم اليهود السوريون، منحت الزيارة بعدًا وجدانيًا.

تحولت إلى حدث وطني جامع يظهر أن السوريين بمختلف انتماءاتهم يقفون خلف سوريا الجديدة.

سابعاً: التضامن مع غزة

أكد الشرع أن مأساة غزة ليست قضية محلية بل مسؤولية إنسانية وأخلاقية عالمية. هذا الموقف عزز حضور سوريا في القضايا العربية، ومنحها رصيدًا شعبيًا ورسخ تحالفها مع دول مثل السعودية وقطر والأردن وتركيا وربما لاحقًا مصر.

ثامناً: الجولان واتفاقية 1974

أكد الشرع أن أي تفاهم أمني مع إسرائيل يجب أن يحترم وحدة سوريا وأن يُرسخ ضمن خطوط اتفاق فصل القوات لعام 1974.

نقلت رويترز عن مسؤول سوري أن الشرع يعتبر أي تنازل عن الجولان خطًا أحمر، وأن الاتفاق الأمني يجب أن يُبنى على خطوط 1974.

الجولان أرض محتلة منذ 1967، وهو ملف سيادي غير قابل للتفاوض من وجهة نظر دمشق.

تاسعاً: التحديات القائمة

  • العقوبات لم تُرفع بعد بالكامل.
  • الاتفاق الأمني مع إسرائيل متعثر بسبب إصرارها على شروط مرفوضة سوريًا.
  • دمج “قسد” يتطلب تنفيذ الاتفاق بمهلته المحددة لا أكثر.

عاشراً: الانعكاسات الداخلية

  • رفع معنويات السوريين بعودة بلادهم إلى الساحة الدولية.
  • إبراز الهوية الوطنية الجامعة.
  • التمهيد لمصالحة وطنية إذا ترافق الانفتاح الخارجي مع خطوات داخلية.

وفي الختام، فإن زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى نيويورك لم تكن رحلة بروتوكولية، بل إعلاناً عن سوريا الجديدة:

  • سوريا التي أسقطت النظام البائد المتمثل بالأسد.
  • سوريا التي عادت إلى الأمم المتحدة بوجه واضح وصوت مسموع.
  • سوريا التي ترفض التقسيم وتتمسك بالجولان.
  • سوريا التي تضع شعبها أولًا، وتفتح أبوابها للاستقرار والإعمار والانفتاح.

إنها رسالة للعالم وللسوريين معاً: سوريا بدأت مرحلة جديدة نحو السلام والاستقرار وإعادة الإعمار والعدالة الانتقالية، ولن تعود إلى الوراء.

 

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top