انتشر مؤخراً على وسائل التواصل الاجتماعي منشور بصيغة رسالة من الهيئة العامة للرقابة والتفتيش إلى جميع موظفي الدولة والدوائر الحكومية في الجمهورية العربية السورية، جاء فيه:
“إنه في الأيام المقبلة سوف يبدأ العمل على تفعيل هيئة الرقابة والتفتيش في جميع المؤسسات، وإن محاربة الفساد وتحقيق الشفافية والمساءلة أمران أساسيان لبناء دولة قوية وعادلة. مع الحزم في منع الرشوة والفساد، فلا تسامح معهما بعد الآن، فالهيئة ستعمل على تطبيق القانون بصرامة واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان نزاهة العمل الحكومي.
وتؤكد الهيئة استمرارها في أداء دورها الرقابي بما يضمن ضبط الأداء وجودة الخدمات المقدمة للمواطنين. كما تشدد على أهمية دور كل موظف في هذه المرحلة، داعية الجميع للتعاون مع هيئة الرقابة والتفتيش في أداء مهامها، من منطلق العمل معاً لبناء وطن أفضل خالٍ من الفساد والرشوة، ومبني على أسس الشفافية والعدالة”.
كلام جميل بالمطلق، يتوافق مع تقييمنا لعمل وجهود الهيئة العامة للرقابة والتفتيش ومساعيها المبذولة منذ سقوط النظام وتفعيل صلاحياتها كأحد أهم أجهزة الدولة الجديدة.
مبادرات وإجراءات جديدة
أعلنت الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش قبل أيام إطلاق موقعها الإلكتروني الجديد بهدف تقديم محتوى رقابي موثوق ودعم جهود مكافحة الفساد.
كما كشفت عن نيتها إطلاق منصة إلكترونية مخصصة لتلقي الشكاوى، تتيح للمواطنين المشاركة الفاعلة في تعزيز الشفافية ومحاربة الفساد.
تهدف هذه المبادرات إلى ترسيخ ثقافة الاستخدام الآمن للتقنيات الحديثة ودعم التحول الرقمي على أسس مهنية وقانونية راسخة.
هذا وشاركت رئاسة الهيئة العامة للرقابة والتفتيش في فعاليات معرض دمشق الدولي إلى جانب عدد من الوزارات والمؤسسات الوطنية، في محفل اقتصادي وثقافي يجمع سوريا بالعالم ويجسد مكانتها على خارطة الحضارة وبناء الدولة الجديدة القائمة على الشفافية والمصداقية.
بناء الكادر المؤسسي
وضمن جهود الهيئة لاستكمال نقص الموظفين وبناء كادر احترافي، تعمل الهيئة العامة للرقابة والتفتيش على تأسيس “المعهد العالي للرقابة والتفتيش” لصناعة كوادر إدارية ومتخصصة، بالتعاون مع المؤسسات الحكومية التي سترفد المعهد بالخبرات المناسبة وفق طبيعة العمل والحاجة.
وفي إطار تعزيز قيم النزاهة والشفافية في العمل الرقابي، نظّمت الهيئة منتصف الشهر الماضي محاضرة علمية بعنوان “أخلاقيات العمل الرقابي” قدّمها وزير العدل الدكتور “مظهر الويس”، بحضور رئيس الهيئة المهندس “عامر العلي” وعدد من الكوادر.
تطرّقت المحاضرة إلى أهمية السلوك الأخلاقي في المهام الرقابية، وضرورة الالتزام بالمبادئ المهنية التي ترفع مستوى الأداء وتحمي المال العام، بما ينعكس إيجاباً على ثقة المجتمع بمؤسسات الدولة.
شراكات رقابية وتشغيل ميداني
اختتم رئيس الهيئة جولة تشاورية شاملة شملت جميع الوزارات والمحافظات، رافقه خلالها معاونوه ورؤساء المجموعات الرقابية، بهدف وضع نموذج عملي يعزز دور الهيئة كرقيب فاعل وشريك داعم.
تركزت اللقاءات على بناء الثقة مع الوزراء والمحافظين، وتطوير آليات تشاركية تدمج الرقابة ضمن العمليات التنفيذية منذ بدايتها، مع تحديد أولويات التدخل السريع وفق إمكانيات الهيئة.
وأكد رئيس الهيئة خلال اللقاءات: “نعمل في بيئة استثنائية تتطلب تعاوناً غير مسبوق، خاصة مع حاجتنا الملحّة لتأهيل بنيتنا التحتية بعد الأضرار التي لحقت بها، ونقص الكوادر المؤهلة الذي نعالجه عبر برامج تدريب مكثفة. هذا يزيد من إصرارنا على الشراكة لتحقيق الهدف المشترك في خدمة الوطن والمواطن”.
كما لاقت اللقاءات تفاعلاً إيجابياً وإشادة بالمنهجية الجديدة القائمة على الدعم وتقديم الحلول، وتم الاتفاق على تسهيل عمل الفرق الرقابية وتوفير البيانات الدقيقة في الوقت المناسب، مع إطلاق آلية تنسيق دائمة.
مؤخراً، بدأت الفرق الرقابية بتنفيذ جولات ميدانية بالتعاون مع الجهات العامة، كشفت عن مخالفات وملاحظات تمت معالجتها عبر الإجراءات القانونية بحق المخالفين.
الهيئة العامة للرقابة والتفتيش تؤكد أن الرقابة الفاعلة تبدأ من الاندماج الميداني لكشف الأخطاء وتصحيحها، وأن هدفها أن تكون الرقابة “يداً للإصلاح لا مجرد إصبع اتهام”.
التقييم والرأي
مهام الهيئة العامة للرقابة والتفتيش كبيرة ومتنوعة وتشمل جميع مديريات الدولة، من وزارات التعليم والصحة وصولاً إلى الاقتصاد والمالية والإدارة المحلية.
اليوم، أصبح ضمن كل مديرية ووزارة جهاز رقابي ينبغي أن يأخذ دوره الكامل والملموس، في صورة غير مسبوقة، بخلاف ما كان في عهد النظام المخلوع الذي جعل الهيئة مجرد ديكور ضمن منظومة قائمة على الفساد والمحسوبيات.
طوال عقود، استُخدمت الهيئة أداة تهديد وتبييض لصورة النظام، ولم تكن أبداً أداة حقيقية للمحاسبة إلا في حالات فردية معدودة.
أما اليوم، فإن الهيئة بحاجة إلى مزيد من الوقت للحكم على أدائها، لكنها أمام مشوار طويل يمكن أن يُتوَّج بالنجاح إذا استمر عملها باحترافية وتنظيم تحت سلطة القانون.
الهيئة تقوم الآن بما يجب أن يكون دورها الطبيعي: رقابة ومحاسبة سريعة وشفافة، كجزء من المرحلة الانتقالية، تمهيداً لاستكمال باقي أدوات الدولة الرقابية، مثل مجلس الشعب الانتقالي وما له من صلاحيات رقابية على الوزارات والهيئات عبر جلسات الاستدعاء والمساءلة.
ولاحقاً، في الدستور السوري الجديد المنتظر، ستكون هذه المنهجية جزءاً من المبادئ المؤسسة، بما يشمل احترام القانون وتطبيقه، محاربة الفساد، فصل السلطات، استقلال القضاء، وصون العدالة والشفافية.