لا يخفى على أحد أن ملف الجنوب السوري من أخطر الملفات التي تواجه الحكومة الجديدة وأكثرها تعقيداً.
في الوقت الذي تسعى فيه حكومة وإدارة الرئيس “أحمد الشرع” لوضع سوريا على سكة إعادة الإعمار والبناء وسكة التنمية والازدهار، عبر إيصال رسائلها للعالم بأن الحكومة تسير على خطى براغماتية، أساسها الحفاظ على سيادة الدول وتزيين صورة سوريا كبلد آمن للتنمية والاستثمار، من خلال جهود حكومية مستمرة لفرض حالة الأمان والاستقرار من جنوب البلاد إلى شمالها، تستمر إسرائيل من فترة إلى أخرى بعدوانها السافر على سيادة سوريا وأراضيها بأشكال مختلفة وبتوقيتات حساسة، وسط تأكيد لمعلومات عن مفاوضات دبلوماسية مباشرة وغير مباشرة جاءت على خلفية وساطات دولية بدأت منذ سقوط النظام البائد.
مفاوضات تحاول من خلالها إسرائيل إيصال رسائلها الأمنية والسياسية للضغط والحصول على مكاسب لوجستية لا أكثر. فهي تعلم جيداً أن فاتورة الحرب المفتوحة مع سوريا مكلفة، فلا سبيل لها إلا عملية الضغط خلال عملية التفاوض.
هذه المحاولات والتصرفات الخطيرة تترك الباب مفتوحاً لكل الاحتمالات، فهجوم جبل المانع الأخير واستشهاد ثمانية جنود من الجيش العربي السوري حدث بالتزامن مع إعلان سوريا افتتاح معرض دمشق الدولي بعنوان “سوريا تستقبل العالم”. وهذا الهجوم يأتي بعد ساعات قليلة من اجتماع قادة الفرق العسكرية للجيش السوري ومناقشة خطط وزارة الدفاع ومتابعة عملها.
أمر يعكس رغبة إسرائيل في نشر حالة عدم الاستقرار، وتكريس حالة إضعاف الدولة الناشئة عبر مناورات استخباراتية وعمليات أمنية وتوغلات عسكرية داخل منطقة الجولان والحدود الإدارية لمحافظتي درعا وريف دمشق، حيث تشهد المناطق المذكورة حملات اعتقال لبعض الشبان وحملات تفتيش للبيوت وإقامة بعض الحواجز. ومؤخراً استشهد شاب من محافظة القنيطرة. بالمقابل، في الجانب الإسرائيلي شهدت الأسابيع الماضية حوادث متفرقة ومجهولة مثل انفجار لغم من مخلفات الحرب بعربة إسرائيلية أدى لمصرع وإصابة ستة جنود، وبعدها بأيام حادثة احتراق دبابة إسرائيلية قيل حينها لأسباب فنية مجهولة، وبعدها بيومين حادثة قنص جندي إسرائيلي داخل حدود هضبة الجولان دون ذكر التفاصيل.
وفي المشهد، وعلى نقيض محاولات إسرائيل المستمرة بزعزعة استقرار الجنوب عبر دعم فصائل خارجة عن القانون في محافظة السويداء ومحاولة تشكيل جيب عسكري يهدد أمن سوريا والمنطقة،
أعلنت محافظة درعا إطلاق حملة شعبية تطوعية بعنوان “أبشري حوران” في رسالة للداخل السوري تعكس دعم أهل حوران لجهود الحكومة في إعادة الإعمار والتنمية ودعم السلم الأهلي وانطلاق قطار البناء والازدهار. ورسالة للعدو الإسرائيلي أن أبناء الشعب السوري في الجنوب جاهزون لكل الاحتمالات، ومنها الحرب والمقاومة الشعبية في سبيل حماية الأرض ومكتسبات الثورة والانتقال إلى دولة الحرية والكرامة.
وسط هذه الحالة من التوتر والغموض على طرفي الحدود، تصر الحكومة السورية على ضرورة التزام إسرائيل بقرار فض الاشتباك عام 1974، ورفض التنازل عن حقوق سوريا في هضبة الجولان، مقابل إعلان إمكانية الموافقة على تفاهمات أمنية تثبّت حالة الاستقرار الأمني والعسكري في الجنوب السوري واعتباره ضرورة مرحلية ملحّة. مستندة بذلك إلى إدانات شعبية وإقليمية ودولية لأعمال إسرائيل، ودعم هذه الحكومة الانتقالية الوليدة بعمق شعبي وعربي وإقليمي، وتفاهم دولي قائم على الشراكات والتنمية والسلام وتثبيت قواعد السيادة والاحترام والتعاون الدولي.
تفاهم أمني قد يحدث قريباً، قال فيه الرئيس أحمد الشرع إنه يملك من الرصيد الشعبي والمصداقية والشفافية ما يمكّنه من أن يطرحه على أبناء الشعب، في حال تم الاتفاق عليه وحقق مصلحة الوطن والسوريين.
حتى ذلك الحين، من واجب الدولة السورية أن تكون قادرة على الحفاظ على حقوقها وعدم التنازل عنها، وفرض سيادتها وحماية حدودها وأمن مواطنيها وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
وعلى دول العالم واجب الضغط للجم إسرائيل بكل الطرق السياسية والدبلوماسية، عبر الالتزام بالقانون الدولي وقرار فض الاشتباك لعام 1974.
وعلى إسرائيل أن تختار بين السلام العادل أو حرب مفتوحة ستكون نتائجها حتماً خارج حساباتها وأكبر من عمر حكومتها المتطرفة الهشّة.