من ضحايا مجزرة الكيماوي في الغوطة

في مثل هذا اليوم من عام 2013، شهدت الغوطة الشرقية والغربية قرب دمشق واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية في القرن الحادي والعشرين، حين أُطلقت صواريخ محمّلة بغاز السارين على أحياء مكتظة بالسكان المدنيين، مخلفة آلاف الضحايا بين قتيل وجريح، وفق تقارير حقوقية ودولية.

تشير تقديرات المنظمات الحقوقية إلى سقوط ما لا يقل عن 1,144 مدنياً، بينهم 99 طفلاً و194 امرأة، فيما تجاوز عدد المصابين ثلاثة آلاف شخص أُدخلوا المستشفيات بأعراض الاختناق وفقدان الوعي والتشنجات. الصور التي وثّقت الهجوم تظهر الضحايا ممددين على الأرض بلا جروح ظاهرة، وهو ما يؤكد الاستخدام الكيماوي المحظور دولياً.

تحقيقات دولية تؤكد المسؤولية

أرسلت الأمم المتحدة فريق تحقيق للتحقق من الهجوم، وأكدت نتائج الفحوص وجود غاز السارين. كما وثقت منظمات مثل “هيومن رايتس ووتش” أن الصواريخ أُطلقت من مناطق خاضعة لسيطرة قوات النظام السوري، وهو ما أكدته تقييمات حكومية أمريكية وأوروبية، التي حملت النظام مسؤولية مباشرة عن الهجوم.

رغم إدانات واسعة من مجلس الأمن والمنظمات الدولية، ووصف الهجوم بأنه جريمة ضد الإنسانية، لم يُفتح أي مسار قضائي فعال لمحاسبة المسؤولين، واكتفت بعض القوى الدولية بإخراج الترسانة الكيميائية المعلنة للنظام تحت إشراف دولي، فيما ظل الناجون يطالبون بالعدالة.

الناجون بين الألم والنسيان

اليوم، وبعد اثني عشر عاماً، ما زال الناجون وعائلات الضحايا يعيشون بين ذكريات تلك الليلة السوداء ومرارة غياب المساءلة، بينما يحاول النظام العودة إلى الساحة الدولية وكأن شيئاً لم يكن. مجزرة الكيماوي في الغوطة ليست مجرد ذكرى مأساوية، بل جرح إنساني مفتوح يذكّر بأن العدالة المؤجلة لا تعني العدالة المسقطة، وأن صرخة الغوطة ستظل تطالب بالعدالة والإنصاف.

وفي هذا اليوم، يتذكر العديد من السوريين والمناصرين للقضية السورية الصحفيين، إضافة إلى الشهود الذين نجوا من المجزرة، تلك اللحظات المأساوية. وقد شارك بعضهم شهاداتهم على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، مؤكدين على أهمية التوثيق والاحتفاظ بالذاكرة الحية للضحايا، والمطالبة بالعدالة الدولية.

وزير الإعلام السوري، حمزة مصطفى، يتذكر المجزرة ويقول: “نتأمل في أحداث مأساوية تظل عالقة في الذاكرة التاريخية، حيث أُزهقت أرواح أكثر من ألف إنسان بلا ذنب، وملأت أجسادهم الأرض، بينما كانت المياه تُسكب عليهم في محاولة يائسة لتخفيف الألم. في ظل هذا المشهد المدمر، تبرز صرخة طفلة صغيرة: ‘أنا عايشة بابا، أنا عايشة’، في الوقت الذي يبقى فيه المجتمع الدولي غارقاً في نقاشاته الباردة، ليبقى المجرمون بلا عقاب بعد أن عقدت صفقات مخزية. لقد دفن شعبنا أحبتهم وسط آلام عميقة، وفي تلك اللحظات الصعبة، ازدهرت إرادة الاعتماد على الذات مع ترديدهم: ‘يا الله ما لنا غيرك’، مما أسهم في تبنيهم للنضال من أجل الحرية سبيلا وحيدا لتخليد الذاكرة. إن هذا التاريخ يحمل طابع الألم، ولكنه يعكس أيضاً قوة الإرادة التي ترفض الاستسلام، لتظل تلك الذكريات حية في عقول وقلوب الأجيال القادمة”.

يطالب السوريون اليوم، في الذكرى الثانية عشرة للمجزرة، بفتح ملف العدالة الانتقالية على نحو جاد، والتقصي الدقيق لمعرفة كل المتورطين في هذا الهجوم الدموي، من القادة العسكريين والسياسيين إلى المنفذين، وتقديمهم إلى القضاء الدولي. ويؤكد ناشطون حقوقيون أن الاقتصار على الإدانات السياسية لا يكفي، بل يجب أن تتحول هذه الجريمة إلى نقطة انطلاق لمحاسبة شاملة تعيد للسوريين ثقتهم بالقانون الدولي وتؤسس لمستقبل خالٍ من الإفلات من العقاب.

  • مها محي الدين

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top