طرح السيد أحمد معاذ الخطيب مؤخراً رؤية حول ما يعيشه السوريون، ولا سيما في الجنوب من جبل العرب إلى حوران والجولان. في مقاربته، شدّد على أن الأزمة ليست خلافاً محلياً أو مذهبياً، بقدر ما هي أزمة سياسية يتم تغذيتها من أطراف إقليمية ودولية تسعى إلى تكريس الانقسامات.
وبحسب ما أورده، فإن أخطر ما يواجه السوريين اليوم هو الانزلاق نحو سيناريوهات التقسيم، التي قد تنتج كيانات هشة بدلاً من دولة قادرة. ومن بين الحلول التي دعا إليها: اعتماد اللامركزية الإدارية، تنظيم انتخابات حرة، والعودة إلى مشاريع تنموية تعيد الاعتبار لمتطلبات الناس الأساسية من تعليم وصحة وزراعة وطاقة ومياه. كما لفت إلى ضرورة استعادة الرموز الوطنية الجامعة، وفي مقدمتها العلم السوري، والتأكيد على أن المعارضة لا ينبغي أن تكون وسيلة لإضعاف الدولة، بل إطاراً لإعادة بنائها على أسس عادلة.
إذا وُضعت هذه الطروحات في سياق الأحداث الأخيرة في السويداء، فإنها تبرز الحاجة إلى خطاب جامع يخفّف حدة التوترات، ويمنع الانزلاق إلى مواجهات أوسع. فالتوترات الشعبية والأمنية التي شهدتها المحافظة أظهرت أن جوهر المشكلة يرتبط بانعدام الثقة بين الدولة والمجتمع، وأن الحلول الأمنية أو الجزئية لا تكفي لرأب هذا الشرخ.
وفي هذا المناخ، برزت مبادرات محلية مثل مبادرة “السويداء سورية” التي أطلقها عدد من نشطاء محافظة درعا. المبادرة حملت رسالة واضحة بأن أبناء الثورة متمسكون بوحدة سورية، وبحقهم في التعبير السلمي عن مطالبهم، بعيداً عن أي نزعات انعزالية أو مشاريع تقسيمية. وهي محاولة لإعادة التأكيد على المشترك الوطني، وربط مطالب الشارع الجنوبي بمشروع وطني أوسع يشمل جميع السوريين.
إن ما يحدث في السويداء يتجاوز كونه احتجاجاً محلياً، فهو يعكس قلقاً عاماً بشأن مستقبل البلاد، ويمثل في الوقت نفسه فرصة لإطلاق نقاش جدي حول سبل بناء الثقة وتجديد العقد الاجتماعي. وبينما يطرح الخطيب رؤيته من زاوية سياسية عامة، تعبّر مبادرات المجتمع المحلي عن تطلعات شعبية مباشرة، ما يجعل التقاطع بين الطرحين مؤشراً على حاجة السوريين إلى حلول وطنية جامعة تتجاوز الاصطفافات الضيقة.
المستقبل، في المحصلة، لن يُصنع عبر الانقسامات أو الارتهان للخارج، بل عبر قدرة السوريين أنفسهم على تحويل أزمتهم إلى فرصة لإعادة صياغة دولة تتسع لكل مواطنيها.
- محمد غزاوي
