‪المرصد السوري لحقوق الإنسان

نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريراً موسعاً تناولت فيه الجدل المتزايد بشأن مصداقية المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يتخذ من لندن مقراً له، ومديره “أسامة سليمان” المعروف إعلامياً باسم “رامي عبد الرحمن”. ورغم أن المرصد أصبح منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 مصدراً أساسياً للمعلومات بالنسبة لوسائل الإعلام الغربية، وعلى رأسها وكالة “فرانس برس” وصحف فرنسية بارزة، إلا أن مكانته تلك لم تمنع من إثارة انتقادات واسعة داخل صفوف المعارضة السورية.

اعتماد غربي واسع وتشكيك سوري داخلي

توضح لوموند أن المرصد رسّخ نفسه كأداة رئيسية لتغطية الحرب السورية في الإعلام الغربي، نظراً لقدرته على نشر الأخبار العاجلة والأرقام بشكل سريع. غير أن هذا الاعتماد الكثيف يقابله تشكيك عميق بين المعارضين السوريين، الذين يعتبرون أن بياناته موجّهة بالدرجة الأولى للرأي العام الأوروبي، وتفتقر إلى المعايير المهنية المتبعة في المنظمات الحقوقية الأخرى.

فالمعارضة السورية، بمختلف توجهاتها، نادراً ما تعتمد على تقارير المرصد، مفضلةً منظمات توثيق محلية مثل “مركز توثيق الانتهاكات في سوريا” أو “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، التي تقدم بيانات أكثر تفصيلاً وتوثيقاً بالأسماء.

هيكلية مثيرة للجدل

بحسب الصحيفة، يثير أسلوب عمل المرصد علامات استفهام عديدة. إذ يتولى رامي عبد الرحمن إدارة الموقع الإلكتروني وصفحات التواصل الاجتماعي بنفسه، إضافة إلى مهمة المتحدث الرسمي. ويؤكد أن لديه شبكة تضم أكثر من 200 مراسل داخل سوريا، لكن ناشطين حقوقيين يعبرون عن شكوكهم في وجود مثل هذه الشبكة بالأساس، مرجحين أن جزءاً كبيراً من المعلومات يُجمع عبر مصادر سياسية متباينة أو حتى من صفحات مفتوحة على الإنترنت.

وتشير لوموند إلى أن المرصد غالباً ما يكتفي بنشر أعداد الضحايا دون ذكر أسمائهم، وهو ما يُضعف من قيمة بياناته مقارنة بالمنظمات الحقوقية الأخرى التي تعتمد على التوثيق بالأسماء، كشرط أساسي لإثبات المصداقية.

تضارب في الأرقام ومواقف مثيرة للريبة

تلفت الصحيفة إلى أن المرصد أثار استغراباً واسعاً في أكثر من مناسبة. فخلال مجزرة الغوطة الكيميائية عام 2013، أعلن في البداية عن سقوط 183 قتيلاً فقط، في حين أثبتت منظمات دولية ومحلية أن العدد تجاوز 1400 ضحية مدنية. كما تعرّض لانتقادات أخرى بعد إعلانه المفاجئ في ديسمبر 2014 أن عدد القتلى منذ اندلاع النزاع بلغ 300 ألف، في تضارب واضح مع أرقامه السابقة خلال نفس العام.

كما يتهمه معارضون سوريون بالمبالغة في مساواة أفعال النظام مع الفصائل المسلحة المعارضة، عبر نشر أعداد القتلى من الطرفين بشكل متوازٍ، وهو ما يمنح النظام مادة دعائية للتقليل من حجم جرائمه. بل إن بعضهم يرى أن هذه المنهجية تُستخدم للتشكيك في سلمية الانتفاضة الأولى، وإبرازها منذ بدايتها كحركة “طائفية وعنيفة”، بما يتماشى مع خطاب السلطة في دمشق.

من منظمة حقوقية إلى وكالة أخبار

تؤكد لوموند أن المرصد بدأ كجهة حقوقية معنية بتوثيق الانتهاكات، لكنه تحول تدريجياً إلى ما يشبه وكالة أنباء متخصصة في متابعة سير المعارك والانفجارات والتفجيرات. هذا التحول، بحسب معارضين، يثير التساؤلات حول الجهة التي توجه عمله، خصوصاً أن نشر أخبار المعارك دون أسماء للضحايا، أو دون إدانة واضحة لاستهداف المدنيين، يخدم في بعض الأحيان مصالح أطراف عسكرية على حساب الحقيقة الحقوقية.

استمرار الاعتماد الإعلامي الغربي

ورغم تراكم الانتقادات، تؤكد لوموند أن وسائل الإعلام الغربية الكبرى، خاصة “فرانس برس”، لا تزال تعتبر المرصد السوري لحقوق الإنسان مصدراً رئيسياً، بل وأحياناً وحيداً، في تغطية أحداث الحرب السورية. هذا الاعتماد المستمر يعكس، وفق الصحيفة، مفارقة واضحة: ففي الوقت الذي يواجه فيه المرصد أزمة مصداقية داخل سوريا وبين صفوف المعارضة، يحتفظ في الخارج بمكانة مؤثرة في صياغة صورة الحرب السورية لدى الرأي العام الغربي.

خلاصة

خلص تقرير لوموند إلى أن المرصد السوري لحقوق الإنسان يقف اليوم أمام مفترق طرق: فمن جهة، يظل المرجع الأساسي لوسائل الإعلام الدولية في ظل غياب بدائل ذات حضور عالمي قوي؛ ومن جهة أخرى، تتزايد الأصوات السورية المعارضة التي ترى أن مديره فقد المصداقية بسبب غموض مصادره، وتضارب أرقامه، وانحرافه عن الدور الحقوقي إلى دور أقرب إلى التغطية الإخبارية الميدانية.

  • متابعات

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top