في ظل التطورات المتسارعة على الساحة السورية، يظل موقف المجتمع الدولي عبر مجلس الأمن محطّ اهتمام وتدقيق، فالبيان الأخير الصادر عن المجلس لا يشكل استثناءً فحسب، بل يعكس توازنات سياسية دقيقة وأبعاداً خفية تتجاوز النص الظاهر، ومن هنا تبرز الحاجة إلى قراءة نقدية متأنية لفهم الرسائل الكامنة وراء هذا البيان وتأثيراتها المحتملة على مستقبل سوريا.
صدر البيان الرئاسي لمجلس الأمن الدولي أمس حول الملف السوري، متضمناً إدانة للعنف وتعهدها بالتحقيق بما حصل، وما حمله البيان من إشارة إلى الاحتلال الإسرائيلي وتدخله السافر في الشؤون الداخلية السورية.
فالبيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن البارحة لا يزال يعتبر الحكومة الانتقالية السورية “سلطة مؤقتة”، وهو اعتراف غير كامل وشرعية منقوصة. فحتى وزارة الدفاع السورية لم تسمَّ بـوزارة الدفاع، بل أُطلق عليها تسمية (إدارة شؤون الدفاع)، وهذا التغيير في المصطلحات لا يعد تفصيلاً لغوياً فقط، بل يعكس موقفاً سياسياً واضحاً بعدم الاعتراف بوزارة سيادية تابعة لدولة كاملة.
كما أن مجلس الأمن يكرر التأكيد على القرار “2254” رغم سقوط النظام البائد، ولا يزال المبعوث الأممي على رأس عمله، مما يعطي انطباعاً واضحاً بأن الحكم الانتقالي في سوريا لم يدخل حيز التطبيق بعد. وهذا التكرار يشير إلى أن المجتمع الدولي ما زال يرى سوريا في مرحلة انتقالية غير مكتملة، ولا يمنح السلطة الحالية الشرعية الكاملة التي تؤهلها لإدارة الدولة بشكل دائم ومستقل.
لذا من المهم جداً أن تعي الدولة السورية ذلك جيداً وتحمل هذا البيان على محمل الجد. هذه الرسائل الضمنية الواردة في البيان ليست مجرد كلمات دبلوماسية، بل هي مؤشر على خطوة ما يحضر ويطبخ في الكواليس السياسية الدولية. وقد تعني هذه الخطوة تصعيداً في الضغط الدولي أو إعادة صياغة المشهد السياسي السوري بما يتماشى مع مصالح الفاعلين الدوليين.
في النهاية، يمثل البيان الرئاسي الأخير لمجلس الأمن دعوة واضحة للحكومة السورية لعدم تجاهل الرسائل الضمنية التي يحملها، فالمشهد الدولي لا يزال في حالة ترقب وتحرك. ومن الضروري أن تستعد سوريا لمواجهة أي تحولات سياسية محتملة تحاول إعادة رسم خارطتها الداخلية وفق مصالح خارجية، وحدها اليقظة السياسية والاستراتيجية الوطنية القوية كفيلتان بحماية البلاد وضمان استقرارها في هذا الظرف الحرج.
