السيد الرئيس أحمد الشرع مع الرئيس الأذري

زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى أذربيجان، ولقاؤه نظيره إلهام علييف، ليست مجرد محطة بروتوكولية في أجندة العلاقات الثنائية، بل تمثل إعلاناً صريحاً عن تحوّل جوهري في تموضع سوريا الإقليمي بعد سقوط النظام البائد.

في قلب هذه الزيارة تقف مسألة الغاز، تلك المادة التي تحوّلت من مورد طاقي إلى أداة سيادية واستقرار وطني، سوريا الخارجة من حرب طويلة ومركبة، تعاني من شحٍّ خانق في الطاقة، وها هي أذربيجان تعرض، بكل وضوح، أن تكون شريكاً في تأمين هذا الشريان الحيوي، مدفوعة بإرادة سياسية تدعم استقلال القرار السوري لا ترهنه.

لكن أهمية الخطوة لا تتوقف هنا، الانفتاح على أذربيجان ومعها تركيا، يعيد رسم شبكة العلاقات السورية، بعيداً عن محور الاستبداد الإيراني–الروسي الذي دمّر البلاد لعقود، نحن أمام مشهد جديد تُبنى فيه الشراكات على المصالح المتبادلة لا على الهيمنة أو الابتزاز السياسي.

وربما الأهم مما جرى على الطاولة، هو ما دار في الكواليس، فالعاصمة باكو التي تجمع بين نفوذ أنقرة وصلات استراتيجية قوية مع إسرائيل، تبدو اليوم ساحة خلفية لمفاوضات غير معلنة بين الأطراف الثلاثة، ثمة إشارات متزايدة إلى أن الملف السوري، وخصوصاً مستقبل الجنوب السوري وملف الجولان، يُناقش في قنوات جانبية بين تركيا وإسرائيل، برعاية أو على الأقل على أرضية أذربيجانية.

هذا لا يعني أن سوريا أصبحت موضوعاً للتفاهمات الخارجية كما كانت زمن الوصايات، بل إن الحكومة الجديدة تسعى لاستعادة القرار السوري، عبر الانفتاح على القوى الفاعلة في الإقليم ضمن إطار التوازن لا التبعية.

حين تقول باكو إنها مستعدة للمساهمة في إعادة الإعمار، فهي لا تقدم منحة مشروطة، بل تعرض خبرات واستثمارات، الشراكة هنا لا تفرض وصاية، بل تسند نهضة، وإن كانت أذربيجان نقطة التقاء مصالح بين دمشق وأنقرة وتل أبيب، فذلك لا ينقص من سيادة القرار السوري، بل يضعه في موقع الوسيط القادر على إدارة التعقيدات بدل أن يكون ضحية لها.

إن الرؤية التي يقودها الرئيس الشرع تقوم على التحرر من إرث الاستعباد الذي خلّفه الأسد، والانفتاح على قوى إقليمية أثبتت براغماتيتها ونجاحاتها، الأهم من الغاز هو أن نعرف كيف نُدير شبكة الغاز، والأهم من المفاوضات هو أن نعرف كيف نبني شروطها من موقع الندّ لا من موقع التابع.

سوريا الجديدة لا تحتاج إلى وصيّ بل إلى شريك، لا إلى جنرال يفرض الغاز بالسلاح، بل إلى رئيس دولة صديقة يقدمه عبر الاتفاق والتفاهم، وهذا ما بدأ يتحقق اليوم وما يجب تعزيزه في الأيام القادمة.

شارك المنشور

مقالات ذات صلة

Scroll to Top